شعار قسم مدونات

من مراكب الوعي

blogs رجل يقف بظهره
في البداية أود أن أهمس في أُذن من يعتبر الحديث عن التفاؤل مجرد غفلة أو سذاجة أقول له بحب: إن عالم التفاؤل الواعي متاخم للذكاء والجمال والفطنة ولا يدخله إلا من سبر الحياة وعرف منطقها. التفاؤل في نظري تهدي إليه فطرة الإنسان ومن يستمع للطفل وهو يحلم ويخطط غير معتبر للقيود الوهمية يتبين له أصالة التفاؤل. وتعرف المتفائل من لحن قوله ومن نافذة تفكيره فهو مجاور للكلمات التي تفتق الأمل مثل قول الشاعر أيمن العتوم: 
والبدر رغم سواد الليل يأتنقُ
وقوله : والفجر من ظلمات الليل ينبثقٌ
ويترنم مع الشافعي إذ يقول:
سَيُفتحُ باب إذا سُد باب *** نعم وتهون الامور الصعاب
ويردد مع الشاعر المعاصر زين بن عبدالله:
سَيَفتَحُ الله بابا كنت تحسبه
من شدة اليأس لم يُخلق بمفتاح
ولأن طاقته عملية وإيجابية فهو يرد على من يحاول سحبه للخلف بقوله:
وكن رجلا إذا أتوا بعده يقولون مر وهذا الأثر

أما من يجر نفسه للتشاؤم فقد أذاقها المر وطوح بها في غيابات القلق وأطعمها غذاء الحيرة الفاسد! إن دافع البعض للتشاؤم رغبته في أخذ الاحتياطات اللازمة لعدم مفاجأة الأحداث التي لا تسره! وهذا الدافع ليس ناضجاً بما فيه الكفاية ولا يتسق مع الحياة ولا يتناغم مع سننها. إن منطق التفاؤل هو الفعل والحركة والتقدم للأمام وهو من محركات الحياة وصاحبه تموج في داخله رغبة دائمة محرضة للعمل والإنجاز..

المتفائل الواعي لا يركن للاستسلام إذ يراه سقطة في وحل التشاؤم لا تليق به ولذا فهو دائم التحفيز والتشجيع للآخرين ليروا النور ويتنعموا بظلال الفأل المثمر، ومن يملك روحاً متعالية على الواقع البئيس سيقفز خطوات كبرى للأمام.

أما من أُصيب بفيروس التشاؤم فهو في تراجع مستمر كان ذلك على مستوى العمل والإنتاجية أو على مستوى الحالة النفسية للشخص وبكلمة مختصرة هو اتجاه ظالم وانحدار نحو هاوية من الشقاء.. عالم لا تسكنه الأرواح المشرقة ومن اختاره طريقا له في الحياة فكأنما صاحب وحشاً لايرحم! وهو يتعسف تفسير المواقف بطريقة تتناسب مع نفثاته السلبية يؤذي بها نفسه والآخرين من حوله ويتقصى النوافذ المغلقة والأبواب المقفلة.

أما صاحب التفاؤل فهو مشغول بالبحث عن عمل منتج وعطاء مختلف يدرك أن التفاؤل الواعي ليس بيع الوهم والقعود عن العمل وانتظار الكرامات بل روحا مشرقة ذكية تميز وتبحث عن الصواب في الأشخاص والأعمال، وإذا وجد عمل خاطئ لن يهدأ له بال ويكتفي بترديد الخطأ مثل غيره بل يحمله ذلك على التركيز لرؤية ثقوب جديدة يُخرج بها هذا الخطأ من دائرته ليجعله متنعماً برائحة الصواب العطرة. وله تفسيراته الخاصة للمواقف تميزه عن غيره فهو مولع بالانتقال للأفضل وحسب، وهو شخص مفعم بالحيوية والإشراق، يرى الورد في الشوك حين يرى غيره الشوك في الورد!

ويزيد المتفائل المسلم عن غيره درجات إذ يتعلق بحبل الله القوي وتسكنه الثقة بمن يدير الكون كله ويدرك صفة الرحمة الواسعة لربه الكريم يقتدي بيعقوب عليه السلام حين غيبوا عنه فلذة كبده يوسف عليه السلام وأخيه وأصبح موجوعاً حزيناً لكن قلبه الموصول بخالقه مدبر الكون كله جعله يقول: "يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ". ولو تأملت هذه الآية لوجدت أنه أمرهم بالعمل والسعي وبذل الجهد مع تعليق القلب بالله القادر وهذه هي حقيقة التوكل العظيمة. والمتفائل الواعي لا يركن للاستسلام إذ يراه سقطة في وحل التشاؤم لا تليق به ولذا فهو دائم التحفيز والتشجيع للآخرين ليروا النور ويتنعموا بظلال الفأل المثمر، ومن يملك روحاً متعالية على الواقع البئيس سيقفز خطوات كبرى للأمام مع اعتبار الزمن شرطاً لتحقيق بعض الأحلام!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.