شعار قسم مدونات

لوحة لم تكتمل بعد..

مدونات - لوحة

لوحة وألوان ومساحة للبوح عن الفرح والترح وعن هبّات الأمل تارة وعن خيباته والخذلان تارة أخرى، بل يعمّ البياض عليها أحيانا وتارة يهمس فيها السواد بلا استئذان، هكذا وجدت لوحتي بل هي الحياة ..إنما مثلي إذ يفيض الخاطر عند كتابة نصّي كمثل فنّان يهمّ بلوحته رسما وإبراز للتفاصيل.. فخاطري لوحة أحرص على إبراز معانيها، جبالها ووديانها، أنهارها ومجاريها.. أقرّب المعنى كمن يوضّح الرسم ولا تغيب عنّي إضافة اللمسات الأخيرة إذ أنها الفيصل في الحكم، رغم قلّتها وندرتها ..

فكم من لوحة ضمّت كل الفصول فأضفى الفنّان عليها بلمسة كي يبرز فصلا واحدا ويبين .. وكم من لوحة اختال في فهمها معرفة الشروق والغروب عند كل حين، فجاءت لمسة تضاف عليها لتعلن الوقت الدقيق لذلك الديدن ويحين.. وكم من وجوه زخرت بها لوحاتنا حتى جاءت ريشة الحياة تضفي لمساتها لتميز الصديق من العدو، والقريب من البعيد ..

فكم من لحن طربت الأذن لسماعه فأفسدته "لمسة" من تداخل غريب لعنصر غريب على ذلك اللحن.. وكم من نصّ جمّلته الكلمات وأنّقته العبارات، فجاءت لمسة مفاجئة مباغته لتقلب الميزان وتغيب عنّا فرصة أخذ المعنى المقصود من النصّ لدى قراءته بإمعان ..فهو نصّي ولحني وكلمي كما حياتي إن شئت لوّنته كفنان أضفى أجمل اللمسات بآخر اللحظات، كي يوصل اللبّ في كلم متلاحق الألحان متقارب الوزن عند الوزن بإمعان..

عندما أجد الحياة تأخذني كثيرا لتشبيهها في لوحة أرسمها بيديّ هاتين، ألوّنها وأمزج الأفكار فيها بل وأعدل عليها حتى آخر اللحظات، فتجبرني على تصديق ظنّي حدّ اليقين أنها هي تلك التي يقال عنها "لوحة لم تكتمل بعد..".

فمثلي كمثل فنّان عليه أن يجيد المعنى المطلوب من عنوانه وتلاحق سطوره في كلمه وألحانه.. فكم من لمسة أحييت لوحة في اليتم تنتحب.. وكم من لمسة أخفت العيب في الكلم وفي الرسم فلم تشرق ولم تغب.. وكم من لمسة فاقت في معانيها لبّ الكلم وأعطت نكهة في الذوق للاحتراف تقترب ..وكم من لمسة باتت على كلم الأيّام تقوّم النّقص اذ لا تخشاه حين تراه وترتعب.. فاللمسة دواء كل عليل وطبيب كل سقيم، فاحرص على إتيان لوحتك بلمساتك في كل حين.. إذ قد يغيب المعنى بغيابها ويلتبس على الكيّس الفطين..

أتخيّل نفسي أمسك بلوحة بين يديّ لأرسم شيئا يعبّر عنّي وعن حياتي، ينقصني ألوان ستمتزج لتعطي شيئا في كل حين، أتركها أحيانا وأحيانا أعود إليها بمدّ كي أرسم وألوّن بكل شغف وحب.. جميلة هي لوحتي رغم كل البياض الذي يعمّها هي ملوّنة، أحرص أن تراها مثلي تماما لا تفتقد لشيء سوى خبرة الفنّان، في زجّ الألوان وامتزاجاتها التي قد تقودها إلى أكبر المعارض، بل وتنافس كلّ الهواة على أعلى درجات من الذوق والاحتراف..

رغم شغفي الدائم بالحصول على صورتها النهائيّة بأسرع الطرق، لكنها تجبرني على التعديل عليها مرارا كفنّان أضاف لمساته على لوحته فغيّر فيها الفصل، وربما الفكرة من الجذر والأصل، حتى إذا قرأها وجدها تفيض أفكارا سيجعلها دائما في حسبانه إذ سيهمّ في لوحته تعديلا في القادم من الأيام ..

عندما أجد الحياة تأخذني كثيرا لتشبيهها في لوحة أرسمها بيديّ هاتين، ألوّنها وأمزج الأفكار فيها بل وأعدل عليها حتى آخر اللحظات، فتجبرني على تصديق ظنّي حدّ اليقين أنها هي تلك التي يقال عنها "لوحة لم تكتمل بعد..".

فجميع اللوحات التي وقف أمامها المحدّقون لمعرفة أسرارها، وحدها التي تناقلها الزمن تخليدا، واحتار في مضامينها العارفون تحديدا، فتاهت العيون في تفاصيلها واحتارت القلوب في فهم معانيها وتحديد مواسمها ورسم معالمها وإبراز مغازيها. .ربما أجد في عدم اكتمالها جمال، وتوق إلى ما هو أكبر من قيمتها وصورتها النهائيّة في الذهن، فهو سرّ يبعث في حياتي جمال وأي جمال ذلك هو المستتر خلف كل شيء لم يكتمل كلوحتي تماما، ربما هو الأمل القادم في غد وبعد غد من لوحة لم تكتمل بعد..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.