شعار قسم مدونات

فلاش باك!

blogs ذكريات
تبدو مُنشغلاً أليس كذلك؟

تلتقي مع الأصدقاء، تتبادلون أطراف الحديث وتلقون النكات، تنهمك في أوراق العمل حتى الصّباح أحياناً وتحضر العديد من المناسبات، تنخرط فيها مع أشخاص جدد. لكن في النهاية طريق عودتك محتّم، ما إن يدور المفتاح دورتين ويُفتح الباب على مصراعيه، تظهر الحياة الحقيقية لك وكواليس فيلمك أنت!

 

تمشي بضع خطوات، يؤلم رأسك صوت أقدامك، في الحقيقية هو صوت عادي لأي شخص يَمشي إلا أن مشهد الخوف الّذي يُحاك بداخل عقلك قد رسم لك صورة بأنّ ذاك الصوت بإمكانه أن يوقظ فيك شيئاً ما يَصعب إيقافه. تجول في المنزل، تبدل ثيابك، تُلقي نظرة بداخل ثلاجتك، تحضر بعضاً من الطعام وتستلقي على الأريكة تُشاهد التلفاز، يغلبك النعاس ثم تأوي إلى فراشك وهُنا تبدأ الحبكة بالظهور ..تظن أنك ما زلت مُنشغلاً أليس كذلك؟ تتقلّب يميناً وشمالاً، تقلب الوسادة، تأخذ رشفة من كوب الماء الموضوع بجانبك وتُطالع سقف غرفتك مطولاً دونما أن يُعيرك الوقت أي اهتمام، تُدرك بأنّ الأعراض قد بدأت تتفشى فيك وأن لا مهرب من هذا كله سوى مجاراة الأمر لو مجبراً، إنها أعراض الذكريات.

ما معنى الذكرى يا ترى؟ 
لن تُجيب على السؤال بقدر ما سيجول في بالك الكثير منها وسيبدأ شريط الفيلم الّذي أعددته منذ سنين يُعرض في صالات قلبك، في أثناء مشاهدته ستحضر شيئاً لتأكله، شخصاً قريباً كي يُشاركك أو على الأغلب ستكون وحيداً تُشاهد بصمت، لا عنوان محدد لهذا الفيلم، لأن كل ذكرى بالنسبة لك هي فيلم وحكاية طويلة لا تُحصر بعنوان واحد.

لو أننا فقط نتذكر اللحظات السعيدة الّتي حصلت معنا، لكنّا كالغريق الّذي يتعلق بقشة، كلّما حدث معنا موقف سيء نعود لها ونراها هي الملجأ، تتفاقم الأمور السيئة حتى أنّنا لا نجد وقتاً لتذكر تلك اللحظات السعيدة وستغرق هي أيضاً معنا وتُصبح بلا معنى!

ستضحك عند بعضها، تذرف الدمع عند أخرى وستكتفي بتنهيدة طويلة عند أغلبها، لكن احذر هذا الفيلم الوحيد الّذي لن تستطيع أن تضع Skip للمشاهد الّتي لا تُريدها، سُتشاهد كُل شيء، كل موقف، شخص، مقعد، رسالة، فشلك، نجاحك، موسيقاك ولحظات انهزامك وستضيف عليها كواليسك، تلك الّتي لا يعلم عنها أحد ولا يُذكرها سواك، سينتهي الشريط، وفي لحظة معينة سيعود ليُعرض من جديد وفي كل مرة لن تكون أنت الّذي شاهده في المرة السابقة.

تخيّل لو أننا لا نتذكر أي شيء أو أننا نختار ما نُريد تذكره فحسب، سترى بأن الأمر جميل، لكن هل ستكون ما أنت عليه الآن؟ لو أننا فقط نتذكر اللحظات السعيدة الّتي حصلت معنا، لكنّا كالغريق الّذي يتعلق بقشة، كلّما حدث معنا موقف سيء نعود لها ونراها هي الملجأ، تتفاقم الأمور السيئة حتى أنّنا لا نجد وقتاً لتذكر تلك اللحظات السعيدة وستغرق هي أيضاً معنا وتُصبح بلا معنى! ولو أنّنا لا نتذكر أبداً، سنصبح مشرّدين لا نعلم أين نذهب وعلام سنستدل. تذكر خليط تفاصيلنا من حزن قبل فرح، لربما يكون أمر مروّع، يُفقدنا الشغف لكنّه في النهاية درسٌ لنا، كافيين غفوتنا، حبل توازننا ومصدر قوتنا، قد يموت وتُهدم أشياء فينا، لكنّنا سنتعلم كيف نحيا من جديد ونبني من الذكرى أخرى سعيدة!

تبدو منشغلاً أليس كذلك؟ هذا ما تظنه أنت، في كل وقت وفي كُل مكان ومع من كنت، أنت محاط بالذكرى. أنت مجموعة ذكريات، هذا ما يجعلك عليه كل لحظة، يُغير شيء فيك وما يَصنعك كي تغدو أنت بطل فيلمها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.