شعار قسم مدونات

بِمَن نبدأ.. الحكومة أو الشعب؟

blogs - ناس في الشارع
جرى على لسان كثير من الشعوب والجماعات والأفراد مصطلح تغيير الحكومة أو إزالتها إما بالطرق الشرعية عبر صناديق الاقتراع والانتخاب، أو عبر فوهة البنادق والانقلابات العسكرية أو حتى الانقلابات الناعمة على السلطة. في حين لم نسمع من أحد أنه بصدد تغيير الشعب! ربما يقول أحدهم كيف لنا أن نغيّر الشعب، وهو الأساس في الدولة وهو الذي يقوم بانتخاب حكومته وممثليه في البرلمان؟ بل كيف نغيّر الشعب؟ هل المقصود أن نستبدله بغيره حتى يتم التوافق بينه وبين الحكومة الموجودة، لنتلاشى الاختلاف؟

هنا يمكن أن نقول إننا أمام نقطة تحول وخروج عن دائرة المألوف في التفكير وربما في طريقة التعاطي مع السياسية والسياسيين وتقرير مصير ومآلات الدول، فليس المقصود بتغيير الشعب أن نأت بغيره من المريخ أو من أي مكان آخر، إنما تغييراً في وعيه وثقافته تجاه حكومته وممثليه ودولته. ولقد ثبت بالتجربة العملية، أنه لا طائل ولا فائدة من تغيير الحكومة طالما أن الشعب لم تتغير ثقافته وتكوينه وما ألفى عليه آباؤه وأجداده من قبل، فالذي ولد قبل ثلاثين أو أربعين عاماً كان ولا يزال شاهداً على حقبة عمل حكومي بنفس الوتيرة والطريقة بما فيها من أشكال الفساد، فتغيير الحكومة والإتيان بأخرى ضمن نفس منظومة العمل الني تأقلم عليها الشعب، كالرشوة، والمحسوبية، والمحاباة، والواسطة.. إلخ، فإنه لن يصطلح حال أي حكومة قادمة.

الحالة التي نحياها وتحياها كل الشعوب هي نتاج طبيعي لحالة الوعي العام لدى الشعوب، وتطبيق عملي لمدى القرب والتصالح المجتمعي بين أفراد وجماعات وتنظيمات هذا المجتمع وتقبل الكل للكل ضمن إطار الدولة الواحدة.

فالقاعدة الجماهيرية والشعبية – الشعب- غير مؤهلة ولم يتم تأسيسها على الفكر الحر الذي ينتقد ويقاوم كل آفات الحكومات، بل تساوق معها بالحد الذي لا يجعله راضيا عن نفسه بالقدر الذي يريد أن تتم مصلحته وتنجز معاملته. فالراسخ في ذهن الشعب والمؤصل فيه دائما أن من يدخل الحكومة ويتقلد منصباً كبيراً، هو حتما سيصبح فاسداً.

لذا يجب أن نعلم بأن عملية التغيير في الأساس مرتبطة بشكل كامل بوعي الشعوب والذي تقوده مجموعة من أصحاب الفكر المستنير والنخب العلمية والقامات الرفيعة من أصحاب الخبرة في مجالات العمل المختلفة، "فالله لا يغير ما بقومِ حتى يغيروا ما بأنفسهم" فإذا قاد عملية التغيير هذه نخب ضالة مضلة غير واعية ولا متعلمة فإنه حتماً ستصير الدولة إلى الانحدار والانكسار ولن ترفع لها قامة ولا راية.

إذاً فالحالة التي نحياها وتحياها كل الشعوب هي نتاج طبيعي لحالة الوعي العام لدى الشعوب، وتطبيق عملي لمدى القرب والتصالح المجتمعي بين أفراد وجماعات وتنظيمات هذا المجتمع وتقبل الكل للكل ضمن إطار الدولة الواحدة، والمصلحة الواحدة التي يحرص فيها الجميع على بناء الدولة بناءً صالحاً، فالمجتمعات الفاسدة تنتج أنظمة وحكومات فاسدة، بدليل أن كل حكومة تأتِ، لا يجيء معها إلا ما هو أسوأ ممن سبقتها، وكما يقال "اللي بجرب المجرب عقلوا مخرب".

فإنه يجب البدء أولاً بتغيير الشعوب تغييراً يصنع من الفرد والجماعة مكوِّن صالح ذاتياً، وهو ليس بالسهولة المطلقة كما نراها، إنما يحتاج الأمر لسنوات عدة عبر أجيال قادمة، تنمو وتترعرع ضمن بيئة تعرف حقوقها ومسؤولياتها تجاه الدولة، وواعية بحجم المخاطر التي تصير إليها في حال سارت على نهج من سبقوهم، تحت مظلة الفساد، لتكون قادرة على بناء دولة وحكومة تحترم أبناءها وتسمع لهمومهم وشكواهم ومتطلبات حياتهم، حكومة تخرج من بين أبنائها الواعين فكرياً وعملياً وسياسياً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.