شعار قسم مدونات

المشروع الإيراني في القارة السوداء

blogs إيران

حين انتصرت الثورة في إيران بقيادة الخميني قام قادتها بإنشاء مؤسستين هامتين، الأولى هي تشكيلات الحرس الثوري، والثانية هي المجلس الأعلى للثورة الثقافية، كان ذلك إعلاناً ضمنياً للاستراتيجية التي ستنتهجها ما أسميت بالثورة الإسلامية؛ إنها سياسة الانتشار الثقافي المسنود بالقوة العسكرية، أو لنقل: التوسّع الفكري الممهّد لعسكرة التشيُّع، إنها ملامح خيارات المشروع السياسي الإيراني الذي بات يُعرف لاحقاً باسم (مشروع تصدير الثورة).

بالمقابل كانت خيارات دول عربية مؤثرة في المنطقة تتمثل في توجيه أولوياتها لمحاربة طواحين الهواء، وتسخير إمكاناتها لقمع شعوبها وتضييق مساحات الحرية والضيق بكل منبر حر في الفضاء المجاور، والرقص على آبار ذهبها مع كل ضيف وعابر سبيل! وهي الدول ذاتها التي ما زالت مستغرقة في خلافات جوارها ومنشغلة بتوسيع تصدعات بيتها الداخلي.

 

كل ذلك كان يحدث وما زال بينما المشروع الإيراني المسنود بحلفائه الدوليين كان يستغل كل لحظة من تلك الغفلة المزمنة ليتوسع في هامشها ثقافيا ويتمدد عسكرياً ليحكم الخناق على الجزيرة العربية ويقترب من مقدسات الأمة، ولم يكن من العجب أن نرى كل فترة وأخرى ظهور قناة فضائية جديدة لإيران تبث الفكر وتنشر المعتقدات وتزوّر وتجيّر التاريخ للانقضاض على الجغرافيا، بل لم يكن من العجب أن نرى بموازاة ذلك ظهور عشرات القنوات الفضائية العربية المتخصصة في رقصة (العرضة) وسباقات الهجن!

في دولة (السنغال) يوجد أحد أبرز الناشطين في مجال التشيع وهو (عبدالمنعم اللبناني) والذي صرح لقناة الجزيرة عام 2010م بأن له نشاطاً ثقافياً على نهج أهل البيت في السنغال منذ ما قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران بنحو عشر سنوات

لم يقف المشروع الإيراني عند حدود الجزيرة وفي عمقها التاريخي، بل توسع على حين غرة وغفلة من السادرين في الأوهام ليغزو القارة السمراء ويتنازعها مع مشاريع التنصير (التبشير) في ظل غياب تام لمشروع إسلامي منظّم لما بات يعرف (بالسُنّة).

حسناً، لنقرّ بالمفهوم القائل أن لكل دين أو مذهب أو عرق الحرية في نشر فكره ومعتقداته، لكن لنقرّ كذلك بالحقيقة التي تثبتها التجارب ويؤيدها التاريخ وهي أن انتشار التشيّع أفكاراً وثقافةً ليس سوى مرحلة أولى من مراحل المشروع السياسي الإيراني الذي يتحول لاحقاً في كل بلد يتواجد فيه إلى تشكيل عسكري مليشاوي يقلق أمن وسكينة المنطقة ويبتزّ دول الثروة والطفرة من خواصرها المتعددة تارة بالمواجهة المباشرة وغير المباشرة وتارة أخرى بتمويلها لدول دفع الخطر عنها.

بالعودة إلى الحديث عن المشروع الإيراني في قارة إفريقيا فلقد أصابني الذهول من حجم التواجد والتأثير الذي حققه مشروع (تصدير الثورة) عبر مؤسساته المختلفة في تلك القارة المنسيّة، وجدت أثناء قراءتي وبحثي السريع عن هذا الموضوع كمّاً هائلاً من المعلومات والحقائق والأحداث والتي معظمها متاح لكل متتبع وباحث فيما يتعلق بمشاريع إيران في القارة السمراء سواء في الدول المسلمة؛ أو التي تتواجد فيها أقليات مسلمة في وسط وشرق وغرب أفريقيا، والتي تنحى تلك المشاريع في بدايتها المنحى الخدمي والثقافي والتعليمي لكنها غالباً تنتهي بعسكرة الثقافة والعلم والمعتقد، هكذا تقول تجارب التاريخ وتفصح أحداث الحاضر.

في دولة نيجيريا تابعنا قبل أشهر قليلة احتفالية بذكرى المولد النبوي تمت في حسينية تشبه حسينيات النجف وقم، وبنفس الطقوس وذات الشعارات، ولعل مشاهدة تلك الفعالية هي ما دفعتني للبحث والتنقيب عن هذا الموضوع في نيجيريا وفي غيرها. بدأ المشروع الايراني يعمل في نيجيريا منذ العام 2006م تقريباً من خلال عدد من السواتر الثقافية والخدمية، واليوم بعد زهاء عشر سنوات تصدر من نيجيريا مجلة (الميزان) الشيعية، بل ويسيطر خطباء الجمعة الدينية على منابر أربع ولايات نيجيرية تضم 25 مليون نسمة، من إجمالي 175 مليون مجموع سكان نيجيريا! حتى أن نيجيريا أصبحت تمثل مركزاً هاماً من مراكز تصدير المشروع الإيراني إلى الدول المجاورة لها.

وفي دولة (كينيا) توجد مدرسة الرسول الأكرم والتي يديرها ويشرف عليها المرجع الشيعي (سيد مرتضى) وهو عضو المجمع العالمي لأهل البيت، كذلك يوجد في (كينيا) جامعة شيعية تتبع ملالي إيران وقد صرح وزير خارجية إيران الأسبق محمد طبطباني بأنه تم إنشاؤها بالاتفاق مع السلطات الكينية منذ عام 1999م.

وفي دولة (السنغال) يوجد أحد أبرز الناشطين في مجال التشيع وهو (عبدالمنعم اللبناني) والذي صرح لقناة الجزيرة عام 2010م بأن له نشاطاً ثقافياً على نهج أهل البيت في السنغال منذ ما قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران بنحو عشر سنوات.

وفي دولة (جزر القمر) يوجد مركز التبيان العلمي في مدينة هادوجا منذ عام 2006م، وقد ابتعث المركز (56) طالباً قُمرياً عام 2008 للدراسة في إيران.

أما في دولة (تنزانيا) فقد قام المرجع الشيعي (مرتضى الكشميري) بزيارة دار السلام في عام 2007م وذكرت مجلة الهادي في خبر الزيارة بأنه افتتح (محفل ابي الفضل العباس) بتكلفة مليوني دولار على حساب فاعلي خير خليجيين وعرب، وتم تزويد المحفل بمجسم ضريح يشبه ضريحي الحسين والعباس، ويتم استقدام الطلبة من هناك إلى مشاعر الشيعة في العراق وإيران.

بالنظر إلى المعلومات المتوافرة عن الأنشطة الإيرانية في إفريقيا فإن مشاريعها باتت تتمدد على أكثر من جهة، وما زالت تزحف بخطى ثابتة نحو ممالك وإمارات وسلطنات وجمهوريات ودول الغفلة والبلادة معاً

وفي دولة (غامبيا) ينشط مشروع إيراني تحت لافتة مركز التقريب بين المذاهب، وفي (السودان) كان يوجد مركز وموقع (سفينة النجاة شيعة آل محمد بالسودان) منذ اثنتا عشرة سنة، والمركز الثقافي الإيراني بالخرطوم قبل أن تغلقه الحكومة السودانية مؤخراً، وفي دولة (بنين) يوجد مركز الهادي للثقافة، وفي دولة (داكار) توجد حوزة الرسول الأكرم، يديرها الإيراني محمد شاهدي الرضوان، أما في دولة (سيراليون) فتوجد جامعة تتبع شيعة آل البيت تم إنشاؤها بطلب من السفارة الإيرانية للسلطات السيراليونية، وفي دولة (الكاميرون) يوجد معهد آل البيت والذي تم إنشاؤه في العام 1992م ويديره رجل إيراني اسمه (مصطفى خضري).

 

أما في دولة (ساحل العاج) فقد تم افتتاح مجمع الزهراء في شهر ابريل من العام 2008م ويعتبر الأكبر في غرب إفريقيا ومصدر تصدير للمشروع الإيراني إلى دول غرب إفريقيا، وهو مجمّع ضخم يتكون من مساكن جماعية ومكتبات ومرافق وساحات وملاعب.

وبالنظر إلى المعلومات المتوافرة عن الأنشطة الإيرانية في تلك الدول المذكورة نجد عدداً من المشتركات مثل اعتماد النشاط الإيراني فيها على إقامة المراكز والمعاهد والجامعات، ثم اختيار طلبة للابتعاث الدراسي في إيران والعراق ولبنان، كما يتم تزويد الطلبة بالرحلات المنهجية إلى مراكز الشيعة المقدسة وتزويدهم بالكتب والأبحاث المختلفة بما يخدم فكر التشيّع ويحقق الأهداف السياسية لإيران التي باتت مشاريعها تتمدد على أكثر من جهة، وما زالت تزحف بخطى ثابتة نحو ممالك وإمارات وسلطنات وجمهوريات ودول الغفلة والبلادة معاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.