شعار قسم مدونات

الصراعات السياسية مسمار في نعش التعليم المغربي

مدونات - التعليم

غياب طويل ومبررات كثيرة دفعتني للتوقف عن الكتابة في الأمور التربوية وما يتعلق بالسياسة، لكن اليوم ارتأيت إلا أن أتحدث في موضوع يشغل الحقل السياسي والجمعوي والمدني والتربوي و. و. و. و المغربي، ألا وهو "التعليم المغربي"، نعم إنه قاهر المُسَيرين المغاربة، هو المجال الذي لا طالما يُوجه اللكمات والضربات القاضية والصفعات تلو الأخرى لوجه الحكومات المتعاقبة على الدولة "الماروكية".

غيرتي على أبناء شعب هذا الوطن الحبيب، والسير به نحو التطور والتقدم، جعلني أحمل قلمي الذي هو بمثابة مسدس موجه نحو فئات تعاقبت على تسيير الشؤون التعليمية والتربوية المغربية، قررت أن اضغط على زناد هذا المسدس الذي يخشاه هؤلاء. تبادرت إلى ذهني مجموعة من الأسئلة، وأنا أطلع على مقالات بعض الجرائد الصفراء، مهمتها الكتابة لمن يعطي أكثر، وتشويه السمعة لمن يعطي أقل، ومن أهم الأسئلة التي حاولت الإجابة عنها: متى يمكن الحديث عن مجال تربوي بعيد عن الصراع السياسي؟ ما العلاقة التي تربط بين السياسة والتعليم؟ 

إن قراءة التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات بالمغرب حول أوضاع المدرسة العمومية، سيجعلك تذرف دما لا دمعا، حول ما وصل به التعليم اليوم، ستتألم كثيرا، الفوضى كبيرة تتلاعب بمصير أكثر من ستة ملايين من أبناء المغاربة.

هذه الأسئلة التي شغلت بالي وأذهبت النوم عن جفوني، اغضبتني كثيرا وأنا أقرأ مقالا لشخص نكرة يدّعي أنه صحافي، هذا الشخص الذي ينتمي إلى حزب معين يوجه اتهامات ويشكك في مرونة مؤسسة تعليمية حققت نسبة نجاح مرتفعة يترأسها مدير ينتمي إلى حزب معارض لحزبه، مع العلم أن هذا صحافي النكرة تخرج من المؤسسة نفسها، وما إن ينطلق موسم الامتحانات أو ما إن تظهر نتائج التعليم، حتى نسمع فضيحة على المستوى المؤسسة الفلانية موجهة من جهات تنتمي إلى نفس المؤسسة، ويبدأ معها موسم توجيه الاتهامات وإزاحة الستار عن ما هو مستور، وإذا ما بحثنا وتتبعنا مسار هذه التهم أو هذه الفضائح حتى نجد وراءها أقوام لا ملة لهم ولا دين، أقوام تتبع دين حزب سياسي معين، هدفها الوحيد الدفاع عن حزبها، فغالبا تكون هذه المؤسسات التي خلقت داخلها هذه البلبلة أصحابها والعاملين بها، أطرها الإدارية والتربوية المتحزبة.
 
وبما إن الصحافة الصفراء منتشرة ببلادنا الحبيبة، صحافة تكتب لكل من أعطى أكتر، فمثل هاته الأخبار الفاسدة موجودة بحدة، وبها تملأ جيوبها. لا يعلم هؤلاء المحسوبين على مجال التربية أن صراعاتهم السياسية أحد أهم السهام والسكاكين التي تغرس في جسد التعليم المغربي، أو الأصح أنها مسامير تطرق في نعش التعليم منتظرة وفاته، هم الذين يطبلون من أجل إصلاح التعليم، بمقالتهم التافهة يجّنون ويجرون الويلات على هذا الجسد المريض، والذي في كل مرة تخرج الدولة بدواء تريد منه شفاء هذا " التعليم".

الصراعات السياسة القائمة اليوم في المغرب هدفها الوحيد هو تدمير جل القطاعات التي تسعى الدولة الى تحسينها، وتطويرها، لكن نحن نسِير بمنطق "أنت تبني وغيرك يهدم "، من طرائف ما شهدته في الصراع السياسي داخل الحقل التعليمي والتربوي، أن هناك مدرسين مكَلفِين بمراقبة المتعلمين أثناء اجتيازهم للامتحانات، ينتمون إلى حزب معارض بشدة لحزب رئيس مركز الامتحان، وبعد انتهاء فترة الامتحانات خرج أحد هؤلاء المكلفين بالمراقبة، بمقال في جريدة تباع وتشترى، يتهم فيها رئيس مركز الامتحانات بتسهيل عملية الغش لمتعلمين، هذا المراقب هو من أشرف على حراستهم ومراقبتهم، وفي التقرير الأنّي الخاص بأجواء الامتحانات، كتب بأن ظروف الامتحان كانت جيدة ومرت في أجواء حسنة، والسبب وراء هذا التناقض الذي سقط فيه هذا المراقب هو الصراع القائم بين حزبه وحزب رئيس مركز الامتحانات، أراد من ذلك تشويه سمعة الحزب المعارض له داخل الإقليم، وقد تناسى هذا الشخص أن اتهامه سيجر عليه البلاء، وأن مقاله صحافي سيكلفه حريته، وحرية المراقبين الذين راقبوا معه.

إن قراءة التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات بالمغرب حول أوضاع المدرسة العمومية، سيجعلك تذرف دما لا دمعا، حول ما وصل به التعليم اليوم، ستتألم كثيرا، الفوضى كبيرة تتلاعب بمصير أكثر من ستة ملايين من أبناء المغاربة، والصراع السياسي هو أحد الأسباب. وإن تقرير المجلس الأعلى للحسابات ألصق صورة سوداء، عن المؤسسة التربوية والتعليمية المغربية، فالمغاربة يعلمون جيدا أنه لا وجود إذ لم نقل محاولات بسيطة، مطروحة على طاولة الحكومة المغربية لمشاريع جدية للخروج من أزمة التعليم، والذي يستوعبه جل الشعب المغربي أن هناك ترقيعات فقط، هذه الأخيرة سيأتي مسؤول آخر ويقوم بإلغائها، كما جارت به العادة.

يجب أن نخجل من أنفسنا، ويجب على الحكومات المتعاقبة هي أخرى كذلك أن تخجل، وعلى كل من كان على رأس وزارة التعليم أن يقدم اعتذارا، وحتى إن لم يستطيع، يجب أن يعترف أنه لم يقدم شئيا لهذا الجسد الوهن، فالأرقام المقدمة مخجلة فعلا، ساهمت في تدمير المدرسة المغربية.

لمدرسة المغربية اليوم تحتاج الآن إلى أن يصمت الجميع، أن يخرسوا كانوا مساندين أو مناوئين، تحتاج إلى أن يصمت المطبلين من الأحزاب، يحتاج إلى ذوي العقول للتدخل.

على النقابات التي أصبحت مُسيسة التي أصبح يرأسها سياسيون أن تكف عن الحديث بلغة دفاعية عن المنتمين إليها، يجب أن تتوقف عن التهكم وتتحدث بلغة واضحة دون هروب من الاجابات الصريحة، حول الصراع السياسي الذي أصبح يدمر المدرسة المغربية، فتلاعب النقابات بالكلمات هو تقاذف لأبناء الوطن الحبيب، وتلاعب بهم.

ورسالتي الأخيرة موجهة نحو الشعب المقهور، استهل في بداية هذه الرسالة بسؤال استفزازي:  ولماذا البكاء و النحيب؟ وأنتم تتزاحمون على صناديق تفرز انتهازيين يقررون مصيركم ويتداولون عليكم على مدار كل خمس سنوات، هنيئا لك أيها الشعب البليد، هذا حصاد الأوراق التي غرستم في صناديق الاقتراع، اسألوا أنفسكم ماذا فعلتم لإنقاذ تعليم أبنائكم؟ ولماذا تواطأتم على الصمت وأنتم تشاهدون أن التعليم على حافة الإعدام، والمدرسة تلبس ثوب الحزن ودموعها تكاد تُغرِقها.

المدرسة المغربية اليوم تحتاج الآن إلى أن يصمت الجميع، أن يخرسوا كانوا مساندين أو مناوئين، تحتاج إلى أن يصمت المطبلين من الأحزاب، يحتاج إلى ذوي العقول للتدخل، فأنا أجزم بأن من أغرق المدرسة المغربية ليست ظاهرة الاكتظاظ أو الخصاص في الأطر أو أو..، من أغرقها في هذه الدوامة هم أولئك المطبلون من الأحزاب المتطاحنة والمتصارعة، فرجاء اتركوا التعليم المغربي يموت في هدوء وأبعدوا صرعاتكم السياسية عنه لعله يشفى ويتعافى، اتركوه على شفا جرف هار، يُنْتظَر منه فقط أن يلفظ أنفاسه ويسلم الروح إلي بارئها، وكفرد من مجتمع مدني، واحتراما مني له لما قدمه لنا من خدمات (أقصد التعليم المغربي)، بدوري سأقف خاشعا باكيا إلى درجة تبليل لحيتي، وراء الإمام الذي سيصلي صلاة الجنازة ترحما على الفقيد وبعد الانتهاء سنقوده إلى مثواه الاخير راجينا من الله عز وجل أن يتغمد الفقيد برحمته وأن يسكنه فسيح جنانه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.