شعار قسم مدونات

وسائل التواصل الاجتماعي والتخلف العقلي

مدونات - رجل

قبل فترة وجيزة، بثت إحدى المنصات الإعلامية الثقافية مادة تختص بمدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على عمليات الدماغ، ولقد بثتها بشكل يوافق عقول الشريحة الأوسع موجزة خفيفة، مما استلزم مني كتابة التفصيل الأكبر عليها، حتى نكون على علم حقيقي وراء هذه المسألة. لقد بثوا مقطعًا عن "ضرر وسائل التواصل الاجتماعي على الإنسان، وأنها تسبب ضعفًا في الذاكرة، وتأخرًا في تركيب العمليات الحسابية"، ولنقم بالتفصيل والبسط إلى حد معقول لتصحيح هذه الدعوى..


الدعوى:
رتبت الضرر على ضعف الحساب والذاكرة، وعممتها على وسائل التواصل
مقدمة: يقسم علماء التواصل الإنساني، التواصل إلى قسمين، تواصل إنسان مع اﻵلة، وتواصل الإنسان مع الإنسان.

الكثافة المنطبعة في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يصاحبها الطول في التواصل والمشاهدة، يسبب إلهاء الصور الذهنية عن العمل في تنشيطها، فيحدث ذلك تخلفًا في مركزي الذاكرة والعمليات الحسابية.

التفصيل: لو اعتبرنا أن وسائل التواصل الاجتماعي تقسم في طبيعتها إلى تواصل فعال وهو الذي يكون بين البشر، وتواصل غير فعال وهو الذي يكون مع الكتب الإلكترونية، وقنوات اليوتيوب ومواقع البحث وما شاكل، فإن الدعوى أعلاه ستختل، فالتواصل مع قنوات جامدة غير بشرية محضة، والمواد اﻹلكترونية هو مماثل للتواصل مع الكتاب الورقي، وقراءة الجرائد وغيرها، وهذه لا تبنى على جهد متبادل، وهي متعلقة بعملية ذهنية واحدة، هي نابعة من المتواصل، فيفتحها ويغلقها متى شاء، فلا مشكلة ملحوظة فيها، إنما الحديث عن تواصل االإنسان مع أخيه في النوع الثاني من وسائل التواصل الاجتماعي ضمن التواصل الإنساني – الإنساني أعلاه، وهو الذي قد تصدق الدعوى به.

العامل المشترك بين الضعف في الذاكرة والضعف في العمليات الحسابية، هو الصورة الذهنية، ففي الذاكرة التذكُّرية هنالك أحداث وفي الأخرى الحسابية هنالك النماذج الذهنية، فكلاهما متعلقات بالصورة الذهنية التي بقدر العامل الوراثي والعامل المكتسب يؤثران عليها، فضمور الوراثي، وقلة خبرة عمل المكتسب يدمران تلك الصورة الذهنية مما يسبب الضعفين المذكورين، ولكننا إلى اﻵن نتكلم في الوصف، ولم نأت على ذكر سيرة العلة التي تفضي للحكم الحقيقي.

العلة: تؤول العلة إلى الطول في المشاهدة، والتواصل، ولكن من غير المعقول عزو العلة لهذا المعنى، وذلك ﻷنها غير دقيقة، وهي ذاتها في العالم الحقيقي ولا تقتصر على عالم التواصل اﻹجتماعي، لذلك فيدعوها الفقهاء بالعلة الظاهرة، والعلة المميزة الحقيقية هي (الكثافة والغزارة في المشاهدة)، والتي لا تتواجد في الواقع الحقيقي.


الحكم:
إن الكثافة المنطبعة في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يصاحبها الطول في التواصل والمشاهدة، ضمن نوع التواصل اﻹنساني_اﻹنساني، والذي يشغل البال لمدة طويلة مع غزارة في التواصل مع كافة اﻷشكال في العرض، يسبب إلهاء الصور الذهنية عن العمل في تنشيطها، فيحدث ذلك تخلفًا في مركزي الذاكرة والعمليات الحسابية، التي تحطم بدورها هيئة اﻹنسان الحقيقية، ويدور هذا حول البحث عن الرد على المخالف والحديث عن التعليقات والمنشورات والتعلق الوهمي بالصور والفيديو -غير الوثائقية- التي يعرضها الإنسان لغيره، وتجعله يتباهى بها، وهي التي لا تجعل خيار الإنسان المشاهِد متعلقًا بذاته فيختار ما يشاء، بل تجعله متعلق "قسري" بأحداث وحالات غير حقيقية، تسبب ذلك الإلهاء في الدماغ، مما يثبت الجزء المتعلق باﻹنسان في الدعوى المرفوعة، ولا يثبتها في تعامل اﻹنسان مع اﻵلة اﻹلكترونية المحضة، والتي تكون خياراتها غير مربوطة إلا بذات اﻹنسان.

عندما تربط إرادة اﻹنسان بغيره، فإنه سيعلق ماهيته بالخواء، وإن ربطها بذاته، فستقوي فطرته وتمنعها من الضمور، وتغذي مكتسباته بالخبرة اللازمة، فاتركوا ما يربط إرادتكم بالهواء الزائف.

وهذا الأمر مضطرد، فليس شرطًا أن يكون الـ "الفيسبوك" أو الـ "تويتر"، أو حتى سائر وسائل التواصل الشبيهة هي الخطر بالذات، وإنما الحديث عن سلوك الإنسان معها، فقد يجد محتوى علمي في أحدها يفيد به ويستفيد، فتكون بمثابة الصحف الإلكترونية وغيرها فتكون من نوع تواصل الإنسان مع الآلة التي لا يعلق بها إلا باختيار منه، وقد يجد بها ما يلهيه ويجعل منه عبدًا لأمور غير ذات فائدة فيكون من نوع التواصل الثاني، والذي فيه الضرر الأكبر.

من المؤكد أن حديثنا لا يشمل الوصول إلى مخاطر الموجات الكهرومغناطيسية البدهية والتي يصاحب التعرض الطويل لها الأخطار الشاسعة، ولا الحديث عن ترك صلة القرابة والصداقة الطبيعية عير هذه الوسائل، ولكننا نقصد الغاية التالية والتي تمثل ثمرة هذا المقال.

الغاية: عندما تربط إرادة اﻹنسان بغيره، فإنه سيعلق ماهيته بالخواء، وإن ربطها بذاته، فستقوي فطرته وتمنعها من الضمور، وتغذي مكتسباته بالخبرة اللازمة، فعليكم بالمواد اﻹلكترونية المفيدة، واتركوا ما يربط إرادتكم بالهواء الزائف.

كنت أنت القائد لإرادتك ولا تجعلها جزافًا للنخّاسين…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.