شعار قسم مدونات

المواطن الكوري السيساوي!

مدونات - السيسي
في ليلةٍ صاخبة، أضاءت فيها الألعاب النارية وأضواء الليزر سماء (بيونغ يانغ) عاصمة الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية، احتفل الكوريون بنجاح تجربة إطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات، شهدها الزعيم المفدى! وأشرف بنفسه على تجربة الإطلاق. في هذه الليلة-وفي شبيهاتها من الليالي- كنا على موعد مع المواطن الكوري من نوع: المواطن السيساوي! فهذا المواطن الذي أخذته بهارج الاحتفال وأضواءه الصاخبة، وسيطرت عليه نشوة النصر الذي أحرزه له الزعيم المفدى حين أطلق الشتائم على أعدائه الأمريكان واصفاً إياهم ب (أبناء الزنا)!

لم يسترع انتباهه أن هذه الأجواء الاحتفالية ستنتهي بعد قليل، وسيعود هو ليرضخ لبؤس الحياة وعفن العيش حباً للزعيم! وسيكون زعيمه غارقاً في ملذاته ونزواته، التي يُصرف عليها من قوت وثروات ذلك المواطن! فيما سيقضي هو ما تبقى من ليلته خائفاً أو غارقاً في الهموم ليصبح وهتافه يملأ الأصقاع كما هتف بالليل: يحيا الزعيم! ولم يسترع انتباهه أيضاً أن شريكاً له في هذه الجزيرة يعيش على الشطر الجنوبي منها- يحيا في احتفال دائم، إذا ما قورنت معيشته بمعيشة ذلكم البائس. وأنه كان لشريكه هذا زعيمة في يوم ما تم عزلها من منصبها كرئيس؛ جراء جريمة أشنع ما يقال عنها عند العرب؛ أنها زلة لا تستوجب المساءلة! 

الخوف في الحالة الكورية هو سيد الموقف وواجهته وقد يزول الخوف مستقبلاً، أما في الحالة السيساوية فإن الغباء الإرادي، أن تكون غبياً بإرادتك وهو نوع جديد! كان للمواطن السيساوي الفضل في ظهوره! هو السائد والمتحكم.

وبعيداً عنه، وعن جزيرته بشطريها المتناقضين، وفي مكان ما، من قارة أخرى يعيش المواطن السيساوي الحقيقي، والذي جاءت منه التسمية ليشاركه المواطن الكوري إياها، ما لم يكن باستطاعته أن يكون كشريكه على الشطر الثاني والذي ينعم برغد العيش، وصخب الحياة، بينما هو لا تتوفر له أبسط سبل العيش. فكما أمن المواطن السيساوي بأن تملق زعيمه لأعدائه الأمريكان هو؛ ذكاء منه، ومناورة لا يجيدها إلا رجل مثله كان في يوم من الأيام على رأس جهاز المخابرات الحربية! فقد رأى المواطن الكوري أن مسبة زعيمه لأعدائه الأمريكان هي؛ بحد ذاتها نصر، وجرأة وشجاعة منه، تعليه مقاماً! وكما هلل المواطن السيساوي أيضاً لزعيمه وهو يرتدي البزة العسكرية في حفل افتتاح قناة، وعد الزعيم هذا المواطن أنها ستكون منهلاً للدولار، ولم تأت بجديدٍ يذكر، بينما أهدر المليارات في وقت كانت بلاده في أَمَس الحاجة إلى كل سِنت، ورغم ذلك ما زال يهلل!

فإن المواطن الكوري قد هتف لزعيمه أيضاً بعد نجاح تجربة صاروخ لو استخدم في الحرب الكورية – الأمريكية المزمع نشوبها في أي وقت، فإن الدولة الكورية ستعلن انهيارها اقتصادياً في أول بيان لها عن تلكم الحرب المرتقبة! ورغم ذلك مازال يهتف! وإن كان المواطن السيساوي يساند زعيمه في سحقه لمعارضيه بعبارته الأثيرة (أفرم يا سيسي) فإني لا أعرف بأي عبارات تشجيعية يهتف المواطن الكوري لزعيمه ليتخلص من معارضيه؟! إذا كان الزعيم يعدم من يتغلب عليه النوم في حضوره بقذائف الهاون! ولو كان من قادة جيشه المقربين!

من هذه المواطن جاء المدد للغباء فكانت له الغلبة على الخوف، فأصبح- على يد المواطن السيساوي- يحتوي ما كان بالأمس هو من يحتويه، وأصبحت معه لفظة (السيساوي) هي لفظة جامعة وشاملة يندرج تحت مظلتها كل المغيبين.

وما بين المواطن الكوري والمواطن السيساوي؛ يوجد ما لا نهاية له من القواسم المشتركة، نعجز عن إفرادها تفصيلاً في هذه المساحة. ولكن السؤال الذي يحضرنا: لماذا جعلنا من  السيساوي متغلب؟ وقد كان بإمكاننا أن نجعل الغلبة للكوري؟! والجواب هو: أن الخوف في الحالة الكورية هو سيد الموقف وواجهته وقد يزول الخوف مستقبلاً، أما في الحالة السيساوية فإن الغباء الإرادي (أن تكون غبياً بإرادتك وهو نوع جديد! كان للمواطن السيساوي الفضل في ظهوره!) هو السائد والمتحكم، وهو مرض لا يُرجى شفاءه.

هذا الغباء الذي يجعل صاحبه يرى الإنجاز في كل إخفاق لزعيمه! ويرى التقدم والرقي في كل تأخر وتردٍ مادام بفعل الزعيم، وير الكاريزما في شخص زعيمه الذي أصبح ماركة للسخرية، ومادة لها تنتظرها الكاميرات والميكرفونات في أصقاع الأرض! حتى وصل الحال بهذا المواطن إلى أن يرى هذا الإخفاق – وهو الملازم الدائم للزعيم- على أنه مناورة منه حتى لا يجبره شعبه على الترشح للرئاسة مرة أخرى!

من هذه المواطن جاء المدد للغباء فكانت له الغلبة على الخوف، فأصبح- على يد المواطن السيساوي- يحتوي ما كان بالأمس هو من يحتويه، وأصبحت معه لفظة (السيساوي) هي لفظة جامعة وشاملة يندرج تحت مظلتها كل المغيبين بفعل الرهبة أو بفعل الغباء، فحق على المواطن الكوري أن يندرج تحت لواءها، وأن يتصف بها ليصبح :المواطن الكوري السيساوي!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.