شعار قسم مدونات

إثراء المحتوى العربي على الإنترنت

blogs - technology

في كل مرة كنت أرغب فيها بالبحث عن موضوع ما على الإنترنت كنت أكتب سؤالي باللغة الإنجليزية دون أدنى دراية مني عن سبب اختياري لهذه اللغة فقد كان الأمر يحدث بالسليقة ودون تحليل لهذا التوجه، إلى أن كبر ابني البكر وأدركت أنه بحاجة للتقوية باللغة العربية كونه قد التحق بمدرسة دولية، ولندرة وجود كتب تعليم للغة العربية بطريقة سلسله للأطفال قررت البحث له عن بديل من خلال الشبكة العنكبوتية وهنا كانت الطامة؛ ففي كل مرة كنت أضع استفسار بمحرك البحث كانت تردني نتائج بحث تختصر بعدد من الروابط معظمها لا يرقى للمستوى ما بين تكرار النتائج كونها قد نسخت وقصت ولصقت وبين عدم ارتباطها باستفساري! حينها فقط أدركت السبب وراء استخدامي للغة الإنجليزية عندما أقوم بالبحث عن موضوع جاد من خلال الإنترنت، فالمحتوى العربي ينقصه الأصالة حيث أن 20 بالمئة منه أصيل والباقي منسوخ ومتكرر..

خلال بحثي المستفيض بالسنوات الماضية وجدت أن أكثر التقارير تفاؤلنا عن حجم المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية تشير إلى أنه لا يتعدى الـ 3 بالمئة من إجمالي المحتوى الرقمي، وهو رقم هزيل ومجحف إذا ما قورن بعدد الناطقين باللغة العربية 360 مليون نسمة أي ما يعادل 7 بالمئة من تعداد السكان العالمي. التقارير تشير أيضا إلى أن منطقة الشرق الأوسط تعد من أعلى نسب المستخدمين من حيث التفاعل والتحميل والمشاهدة لمواقع عدة كموقع اليوتيوب على سبيل المثال، في حين أن نسبة المحتوى العربي على الويكيبيديا العربية متدنية فهي لا تتعدى الـ 1بالمئة وهي تضم337000 مقالة و400 ألف مستخدم مسجل..

القرآن الكريم يحتوي على 77431 كلمة وأن أطفال الزمن الجميل كانوا يتعلمون 50 ألف مرادفة من القرآن الكريم بعمر العشر سنوات وأن من يرغب بتحسين لغته العربية فعليه بدراسة القرآن الكريم.

وتعد هذه الموسوعة الإلكترونية الأكثر استخداما على مستوى العالم، فترتيبها السادس بقائمة أكثر المواقع شعبية وتحتوي النسخة الإنجليزية منها على 4614000 مقالة ولديها 15مليون مستخدم مسجل. التقارير تشير إلى أن ترتيب النسخة العربية منها هي 26 من حيث الحجم مقارنة باللغات الأخرى، فهناك لغات عدد متحدثيها يقارب عدد سكان عاصمة عربية ورغم ذلك ترتيبها أعلى من نسختنا العربية، كالموسوعة الكتالونية التي تحتل المركز 13.

إن أحدا لا يستطيع أن ينكر مدى أهمية الإنترنت بوقتنا الحالي لتبادل المعلومة التي تعتبر حجر الزاوية لبناء نهضة وثقافة وحضارة الأمم، لكننا بصدد مشكلة ذات أبعاد مخيفة عندما نكتشف أن المتاح باللغة العربية هو دون حد الفقر الأمر الذي سينعكس على إرثنا التاريخي والثقافي، ناهيك عن تطورنا بالمناحي التكنلوجية والعلمية إن إثراء المحتوى العربي على الإنترنت كما وكيفا ونوعا هو مسؤوليتنا جميعا للحفاظ على هويتنا ولغتنا العربية وتراثنا وتعزيز لمخزوننا الثقافي والحضاري الرقمي لتمكين مجتمعاتنا بجميع أطيافها للوصول للمعرفة والفرص الإلكترونية كالفرص الاستثمارية والاقتصادية لخدمة المجتمعات العربية والإسلامية، وهو أمر لا يخص جهة معينة ويحتاج لتضافر مختلف الجهود فلا يخفى على أحد أن الاقتصاد المعرفي من أهم ركائز الاقتصاد العالمي، فإلى متى سنبقى مجتمع مستهلك للمحتوى بدلا من مجتمع معرفي صانع ومنتج للمحتوى؟

لابد أن الكثير منكم قد أسترعى انتباه أن اهتمام شبابنا ينصب على الجانب الترفيه، لكنني لا أستطيع لومهم فالمحتوى العربي سخيف تافه ينصب على الفضائح والكوميديا يفتقر للمواد العلمية وللبرامج المتخصصة على المواقع الإلكترونية كما يفتقر للأبحاث اللغوية والقرآنية. من المحزن أن كتابنا المبين قد شدد على ضرورة الاهتمام باللغة العربية "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" وعلى ضرورة توثيقها " ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ".. ورغم تشديده على هاتين الحقيقتين غير أن غالبية النسخ القرآنية الإلكترونية تحتوي على الكثير من الأخطاء اللغوية..

أذكر أن صديقا مقربا لي قد أخبرني أن القرآن الكريم يحتوي على 77431 كلمة وأن أطفال الزمن الجميل كانوا يتعلمون 50 ألف مرادفة من القرآن الكريم بعمر العشر سنوات وأن من يرغب بتحسين لغته العربية فعليه بدراسة القرآن الكريم، فاللغة العربية -وما تشمله من النحو والصرف- والقرآن وجهان لعملة واحدة. لكنني لم أجد سوى برنامج المتدبر الذي يحتوي على جميع ما يحتاجه الباحث بمجال الدراسات الإسلامية واللغوية على الشبكة العنكبوتية! ترى لما هذا التقصير، أتراه متعمد لنبقى محصورين بالقوقعة التي وضعونا بها؟!

طور القائمون على برنامج المتدبر آلية لتفسير معظم آيات وكلمات القرآن من داخل القرآن نفسه ودعموا ذلك بالكثير من الخيارات المساعدة للوصول لفهم الآيات بالشكل الصحيح وعملوا على تطوير طرق البحث باستخدام جذر أو كلمة مطابقة مع أو بدون تشكيل وبحث جزئي مع أو بدون تشكيل وطوروا محرك بحث احترافي باستخدام أحرف معينة داخل كلمة معينة بترتيب معين أو بدون، بالإضافة إلى اختيار البحث فقط بأسماء أو أفعال وأدرجوا معظم المعاجم المهمة والأساسية، وأنشأوا قاعدة بيانات للآيات والكلمات المتكررة والمتشابهة بالقرآن الكريم، لأن التكرار بالقرآن لا يكون إلا للفت الانتباه لموضوع معين، وهذا لإثراء فهمنا لبعض الآيات بشكل كبير.

للأسف مثل هذه المواهب التي تعمل بمجال تطوير التطبيقات والبرمجيات لا تجد من يتبناها ويصقلها وينظمها ويشجعها وهو أضعف الإيمان لتشجيع إثراء المحتوى العربي وخلق محتوى يستفيد منه الآخرين..

كما وأضافوا قواعد بيانات تحتوي على الاختلافات في رسم بعض الكلمات القرآنية عن الرسم الإملائي لما له من مدلولات تساعد بفهم القرآن بشكل أفضل، ولإثراء موقعهم لغويا قاموا بإدراج أربعة مصادر لإعراب القرآن الكريم كاملا ومصدر واحد لمجاز القرآن، وأضافوا فتح الرحمن لمعربات القرآن وكوربس قرآن وهو من أضخم البرامج لتحليل كلمات القرآن. إن مكتبة المتدبر تحتوي على أكثر من 26 ألف كتاب قابل للتحميل بمجالات القرآن الكريم واللغة العربية لإثراء متدبر القرآن.

رغم شعوري بالفخر بأن من قام بإعداد هذا التطبيق هم شباب أردنيون وهو ليس بالجديد على النشامى، فالأردن رغم محدودية مواردها وتعدادها السكاني قد تمكنت من وضع بصمتها بصناعة وإثراء المحتوى العربي على الإنترنت حيث بلغت نسبة مشاركتها نحو 75بالمئة من مجمل المحتوى العربي، ولكن للأسف مثل هذه المواهب التي تعمل بمجال تطوير التطبيقات والبرمجيات لا تجد من يتبناها ويصقلها وينظمها ويشجعها وهو أضعف الإيمان لتشجيع إثراء المحتوى العربي وخلق محتوى يستفيد منه الآخرين..

ذكري لتجربة هؤلاء النشامى هو لحثكم على التفكير بسؤال لطالما راودني: كيف نبني الحاضر حتى نصل للمستقبل وشبابنا لا يجدون من يدعمهم؟!

__________________________________________
مرفق رابط موقع برنامج المتدبر لمن يرغب بتصفحه
www.almutadaber.com

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.