شعار قسم مدونات

أنت لست حذّاءً

blogs - إسكافي
يعيشُ الناسُ بفعلِ تكوين شخصياتهم لغاياتٍ مختلفة ومتنوعة في حياتهم، وتتفاوت هذه الغايات في رُقيّها وسموها من شخص لآخر ومن جماعةٍ لأخرى، في الأفلاطونية مثلاً، يكمن معنى الحياة في تحقيق أعلى شكل من أشكال المعرفة، فيما تقول مختلف الديانات بأن الغاية من وجودنا هي عبادة الله وطاعته والامتثال له، آخرون يرون أن الغاية هي المال والشهرة، وهكذا تختلفُ الوجهات وتتعدد، لكن لعل أهم الغايات التي تسعى اليها البشرية على الصعيد النفسي تتلخص في خمسٍ جمعتها الدكتورة كونايري أندريز بحسب دراسات أجرتها على المجتمع الأمريكي، وهي بالترتيب: (1) التوحيد أو رضا الله، (2) شعور الوحدة أو الاتصال مع الكون، (3) شعور الاندماج ما بين الروح والعقل والجسد، (4) الحب المطلق، (5) الاستحسانية.
الكاتب والمخرج الأمريكي وودي آلن يرى أننا نعيش في حياة لا معنى لها، يقول في مؤتمر صحافي في "مهرجان كان" السينمائي 2015م "لا مفر من الحقيقة المرة للحياة، فلا يهم ما يقوله الفلاسفة أو القساسوسة أو الأطباء النفسيون، ففي النهاية سننتهي وسنموت جميعاً، عاجلاً أم آجلاً" ثم يقول آلن "أننا سوف نصير بالضرورة إلى مكانٍ سيء يوماً ما، وبالتالي فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن نفعله هو أن نحاول أن نقنع الناس بأن الحياة جديرة بالعيش، ولها معنى، ولكن لا يمكن فعل ذلك الا عن طريق خداع هؤلاء الناس، فالحياة في النهاية ليس لها معنى بالفعل.

السواد الأعظم من الناس يعيشون في جهلٍ لغاياتهم، يعيشون لأهدافٍ ربما تكون دنيئة وغايات وضيعة، نسبة قليلة من الناس من يبحثون عن غاية وجودهم، عن معنى حياتهم، دولوريس وحدها من وصلت لمرحلة الوعي بمعنى حياتها.

نحن نعيش حياةً لا معنى لها، وفي كونٍ عشوائي، وسوف يزول كل شيء نصنعه، وسوف تزول الارض، وتنطفئ الشمس، وسينتهي الكون، وكل أعمال شكسبير أو مايكل انجلو أو بيتهوفن التي نقدرها ستزول يوماً ما رغم ذلك، ولذلك فهي مهمة صعبة جداً أن نقنع الناس بأن الحياة جديرة بالعيش، وبالتالي أرى ان الطريقة الوحيدة للتعامل مع الامر هي (التشتيت)، تشتيت الناس وتشتيت أنفسنا عن مواجهة الحقيقة بمختلف أنواع الملهيات كمشاهدة الأفلام والمباريات".

يمثل منطق وودي آلن منطق نسبةً كبيرة من المجتمع أيضاً، وحتى المجتمعات المتدينة وبالأخص المسلمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نظرته جاءت من وجهة نظر لادينية، لكن حتى مع ذلك فإن عامة الناس في مختلف المجتمعات تقول بنفس المنطق ولكن مع اختلاف بسيط، هو أن آلن قد توصل الى استنتاجه بأن لا معنى للحياة بعد ثمانين عاماً من عمره قضاها في البحث والفلسفة، وهذا يجعل إجابته اللاأدريائية تتميز عن إجابة العوام التي تقول في أفعالهم بنفس منطق آلن.

في الواقع فإن السواد الأعظم من الناس يعيشون في جهلٍ لغاياتهم، يعيشون لأهدافٍ ربما تكون دنيئة وغايات وضيعة، نسبة قليلة من الناس من يبحثون عن غاية وجودهم، عن معنى حياتهم، دولوريس وحدها من وصلت لمرحلة الوعي بمعنى حياتها في مسلسل (westworld) من بين ألألفي مضيف الآخرين، فيما البقية ظل يعيش في نفس الحلقة المغلقة المرسومة له سلفاً.

الغايات العظيمة تجعل من الإنسان عظيماً، فإذا هو سامٍ في اهتماماته وأقواله وأفعاله، فيما تهبط الغايات الدنيئة بصاحبها إلى ما تحت الحيوانية، إلى الحضيض، وحتى إلى ما تحت الحذاء نفسه!

أن يستيقظ إنساناً خلقه الله لغايةٍ عظيمة، وهيأ له الكون بكل ما فيه لأجل العمل على هذه الغاية، ثم هو في صباح كل يوم يبحث عن كيفية إشباع شهواته الأولية، يعيش كل حياته في دائرة (الهو) كما سمّاها سيجوند فرويد، كل تفكيره في الأكل والجنس، وكأنه ليس هناك فرق بينه وبين أي حيوان آخر ساواه في الهدف والغاية.

اهتماماتٌ كثيرة تتشابه بطريقةٍ أو بأخرى مع قصة الحذّاء الذي ظل طوال حياته يعملُ في إصلاح الأحذية حتى صار كل تفكيره في الحذاء والأحذية، وقد بلغ منه الأمر مبلغاً أنه كان عندما يُسأل عن شيء فإنه دائماً ما يربط إجابته بالأحذية صراحةً أو تلميحاً، حتى وإن كان الموضوع لا يمت بصلة إلى الحذاء، إلا أن ذلك الحذّاء كان لابد له أن يعرِّج على الأمر ولو في نهاية إجابته، وهكذا أصبحت حياتهُ كلها حذاء تماماً كما تصبح عند البعض جنساً أو أكلة.

الغايات العظيمة تجعل من الإنسان عظيماً، فإذا هو سامٍ في اهتماماته وأقواله وأفعاله، فيما تهبط الغايات الدنيئة بصاحبها إلى ما تحت الحيوانية، إلى الحضيض، وحتى إلى ما تحت الحذاء نفسه!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.