شعار قسم مدونات

حرب الفجار.. أفي رباح تريقون دمكم؟

RIYADH, SAUDI ARABIA - MAY 21: In this handout photo provided by the Palestinian Press Office, U.S. President Donald Trump joins Saudi Arabia's King Salman bin Abdulaziz al-Saud and other Arab leaders at a summit meeting May 21, 2017 in Riyadh, Saudi Arabia. (Photo by Thaer Ghanaim/PPO via Getty Images)

نقلت كتب السير والتاريخ أن العرب في الجاهلية شهدوا حربا بينهم سميت حرب الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم في شهر رجب بين قريش وكنانة من جهة وقيس من جهة أخرى، وتذكر هذه الكتب أن حرب الفجار كانت مراحل وأولها كانت الفِجَار الأول ويسمى فجار الرجل وفيه أن الحيّين من قيس وكنانة كادا يقتتلان من أجل قرد لم يجد صاحب الديْن المظلوم غيره وسيلة ليعرض على الناس شرائه مقابل الديْن الذي أنكره عليه مدينه ولولا بعض العاقلين لاندلعت الحرب وقد قال العاقلون يومها أفي رَباح -أي قرد- تريقون دماءكم وتقتلون أنفسكم" فيسُر الخطْب في أنفسهم وكف بعضهم عن بعض.

هذا ما قالته كتب التاريخ والسير فماذا قال جماعتنا وقد كان كثير من القردة ومن أحفادهم مروا علينا وأوعزوا إلينا أن اقتتلوا ففجرنا في الخصومة وسللنا السيوف وألقينا الأغماد واستعددنا للحرب، ولأن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الاخبار وفي باطنه نظر وتحقيق ،كما علمنا رائد علم العمران البشري العربي المسلم ابن خلدون،ونبهنا في ما نبهنا إلى أن للدولة أطوار قوة وضعف وأن من لا يستفيد من سير من سبقه يوشك أن يصيبه ما أصابهم من عوامل الفناء والترهل، فإن استدعاء واقعة حرب الفجار ذو دلالة هامة في هذه اللحظة التاريخية المفصلية التي تمر بها الأمة التي يبدو أنها أبعد عن الاستفادة مما أفاد به أسلافها البشرية من معارف وعلوم،ولا أدل على ذلك مما كشفته لنا أزمة حصار قطر من دول خليجية لم تجد ما تفعله في السياسة الخارجية إلا أن تفتح بابا من الفجور في الخصومة.

يبدو أن حكماءنا صاروا أشبه بحكيم القبائل الهندية يقول ولا يؤبه له لكثرة الحمقى من أصحاب نظرية الحميّة القِرْدية وذلك باب أول من الفجور في الخصومة يذهب معه صوت الحكمة والعقل ويُفتح لصراخ القردة أن يعلو ويجعل قدرنا أن نختار بين فظاعتين أو بين شرين.

نعم إنه الفجور في الخصومة وهو من صفات المنافقين كما نبه إليه نبي الإسلام الذي أكد لنا أن الفجور يهدي إلى النار وفي الدنيا نار قبل نار الآخرة لمن فجر في الخصومة هي نار التمزق والاقتتال الداخلي والفقر والمجاعة والتخلف والتذلل لأعداء الأمة وهي ذلك العذاب الأدنى الذي حدثنا عنه رب العزة في قوله ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر، فهل صرنا على شفا العذاب الأدنى ونحن نشهد ما يقدم عليه بعض أبناء الأمة من فجور في الخصومة مع بعض إخوتهم؟

هذا سؤال محوري لابد من الإجابة عنه ولكن ليس بالحسم نفيا أو ايجابا ولكن بتتبع مؤشراته لندرك أين نحن من ذلك كله .لا أحد من ذوي الطباع السليمة والنفوس السوية يبرر الحرب أو يقبلها لكن الحروب أحيانا تنطلق بسبب مشروع وهدف نبيل غالبا ما يضيع في الفظاعات التي تصحب الحرب، وحرب الفجار لم تشذ عن ذلك فأصل انطلاقتها كان حميّة ضد من حاول اغتصاب حق ليس له؟ لكن الحفاظ على الهدف النبيل يحتاج حكمة وعقلا لا يؤتيها كثير من الناس حكمة كحكمة من صرخ في العرب أبان الفجار الأول أفي رباح تريقون دمكم.

فهل عندنا أمثال هؤلاء الحكماء؟
يبدو أن حكماءنا صاروا أشبه بحكيم القبائل الهندية يقول ولا يؤبه له لكثرة الحمقى من أصحاب نظرية الحميّة القِرْدية وذلك باب أول من الفجور في الخصومة يذهب معه صوت الحكمة والعقل ويُفتح لصراخ القردة أن يعلو ويجعل قدرنا أن نختار بين فظاعتين أو بين شرين.

كان سعيد أبو النحس المتشائل بطل رواية المتشائل للفلسطيني الراحل إميل حبيبي يكرر قولته التي استمد منها وصفه إذا أصابني مكروه حمدت الله على أن الأشد منه لم يقع،فهل كتب علينا أن نراوح بين المكروه والأشد في ظل حمق بعض قادتنا ممن ادعوا أنهم أولياء أمر وطلبوا منا حق الطاعة ولم يوفروا شروطها، نعم هو كذلك فإن حاصر ولي الأمر قطر وقد فعل فعلينا أن نحمد الله أن لدينا قطر لنحاصرها،  وإن كلفنا ولي الأمر بدفع جزية لترمب وقد سبقنا إلى ذلك فعلينا أن نحمد الله أن عندنا ترمب لندفع له..

نعم أنه هو ترمب بعينه أو يكون هو رباح الزمن الراهن الذي نريق لأجله دماءنا ونغفل عن حكمة عقلائنا، لا شك فقد ضحك على ولي الأمر بتغريدات ظنها بيعة له فصرخ فينا أن الكيل طفح وكان علينا أن نحمد الله أن عندنا كيلا يطفح ولا نكلف أنفسنا بالبحث في كيف الطفح ولا عدده ولا أين يسير بنا هذا الكيل الطافح! وقد زعم ولي الأمر أنه كفيل بحمله عنا فذلك يسير عنده بشرط أن نؤثر السلامة ونقعد عن نصرة إخواننا في فلسطين وعن نصرة المظلومين وأن نتحلل من حلف الفضول ولا نهتم له فما ينبغي لمن شارك في حرب الفجار أن يشترك في حلف الفضول، فالأمران من قبيل الثالث المرفوع على حد قول المناطقة.

لقد سبق إلى الفجور كثير ممن يوصفون بالدعاة ونسوا أن الركون إلى الظلم حرام بنص القرآن، وأن من يبيع الإبرة والخيط للملك هو من الراكنين، أما خائط ثوب الملك فهو من الظلمة أنفسهم كما قال ابن تيمية.

ولكن ما حلف الفضول هذا وما علاقته بحصار قطر؟
حلف الفضول أو حلف المطيبين هو الذي شارك فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال عنه كما روى أحمد "شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ" بل إنه قال في رواية أخرى "لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت". وهو الحلف الذي انتصر لرجل غريب أنكره أحد سادة قريش -العاص بن وائل- حقه وديْنه فانتصر له أهل الفضل من قريش وتعاهدوا على أن لا يكون بعد ذلك مظلوم يترك دون نصرة، وهو الحلف الذي ينسف تلك الرواية التي تقول بأن الرسول شارك في حرب الفجار.

وهي رواية لا نراها تصمد أمام التمحيص التاريخي، فقد نقل اليعقوبي المؤرخ عن أبي طالب أنه منع بني هاشم من المشاركة بهذه الحرب. ووصفها بالظلم والعدوان وقطيعة الرحم وقال لا أحضرها ولا أحد من أهلي وهو ما يدعم شكنا في صحتها تساوقا مع ما عرف عن النبي ترفعه عن كل عمل مشين قبل البعثة وبعدها. وهنا مضرب المثل الذي أشرنا إليه لنعتبر من قصص السابقين ونسأل أين نحن من هذا التاريخ ومن هذه السيرة العطرة؟

تصر دول الحصار في أول فصول الفجور في الخصومة على استدعاء المقدس مشوها مثلما شوه المتدخلون في كتابة السيرة مشاركة النبي في حرب الفجار، إذ انبرى كل خطيب وعييّ يتلو علينا آيات الطاعة والفتنة والخروج في غير موضعها ويتخذ بعض هؤلاء الخطباء والأدعياء موقع الإله العظيم، فيتآلهون عليه ويفترون عليه الكذب بل يسيئون الأدب معه مثلما قال قائلهم إن الدعاء اليوم لا يجب أن يوجه ضد اليهود والنصارى وإنما ضد المجوس، كأنما الله العلي القدير -تعالى عن ذلك علوا كبيرا- ينتظر توجيهات هذا الشيخ ليملي عليه كيف يقبل الدعاء.

لقد سبق إلى الفجور كثير ممن يوصفون بالدعاة ونسوا أن الركون إلى الظلم حرام بنص القرآن، وأن من يبيع الإبرة والخيط للملك هو من الراكنين، أما خائط ثوب الملك فهو من الظلمة أنفسهم كما قال ابن تيمية فهل من مذّكر؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.