شعار قسم مدونات

الصحافة الجزائرية بين الماضي والحاضر

blogs الصحافة الجزائرية

تعتبر الصحافة بمختلف وسائلها مؤشرا لانتعاش الحياة الحضارية للمجتمعات، و"ترمومتر" لقياس مدى وعي الشعوب ورقيها. وفي الجزائر ومع مطلع القرن العشرين وبروز حركة الجزائر الفتاة وظهور النخبة وتصدرها للمشهد برزت عدة صحف كان لها صدى لدى الأهالي الذين كانوا متعطشين لإعلام يكتب لهم وعنهم فبرزت "جريدة المغرب" و"الصباح" و"ذو الفقار" و"الفاروق" فكانت هذه الصحف وغيرها صرخة في وجه التظليل والاحتكار الاعلامي الذي مارسه الاستعمار الفرنسي، فأوكلت إلى نفسها مهمة التوعية والتوجيه والإصلاح.

تجسدت المهمة الأخيرة أكثر مع بروز جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931 ورفعها راية الإصلاح في الجزائر، وسلت سيف المقاومة الفكرية لمستعمر عاث بمعتقدات وأفكار وعادات الجزائريين تخريبا وتدميرا، وأصدرت مجموعة من الصحف التي لقيت رواجا وصدى كبيرين، منها: "المنتقد" "الشهاب" "الشريعة المحمدية" "السنة النبوية" "الصراط المستقيم" "البصائر"، فكانت هذه الصحف هي الوسيلة التواصلية التي تنشر بها الجمعية أفكارها الاصلاحية.

والمتأمل هنا في هذه الصحف يجد أنها سطرت لنفسها أهدافا والتزمت بها ونالت ما نالته بسببها فكانت في كل مرة تصادر وتوقف عن النشر ومع ذلك فقد نجحت إلى حد كبير في تحقيق ما تصبو إليه. 

صحفنا في أغلبها ليس لها خط واضح وإنما تسوقها مطالب السوق، إذ تتعامل بمنطق تجاري بحت الهدف منه استقطاب أكبر قدر من القراء بأي طريقة كانت

ولكون هذه الصحف ذات قيمة تاريخية فهي الآن تعتبر من المصادر التاريخية التي يعتمد عليها في البحوث الأكاديمية وأن المواد التي تحتويها يمكن اعتبارها مادة علمية خام، حتى أن بعض الباحثين قد يجوب الأمصار بحثا عن نسخ من هذه الصحف قد تكون محفوظة هنا أو هناك.

وبالعودة إلى صحفنا في الوقت الحالي ومحاولة المقارنة بينها وبين ما كانت عليه الصحف في أحلك الليالي ـ وإن كانت هنا المقارنة ظالمة وفق ما يقوله بيت الشعر: "ألم تر أن السيف ينقص قـدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا" ـ فصحفنا في أغلبها ليس لها خط واضح وإنما تسوقها مطالب السوق، إذ تتعامل بمنطق تجاري بحت الهدف منه استقطاب أكبر قدر من القراء بأي طريقة كانت، لذا نجد على الصفحة الأولى من هذه الجرائد أخبارا مبتذلة وتحليلات سوقية من قبيل: "وزير يقع ضحية زلة لسانه"، "شاب يغتصب فتاة"، "زوج يقتل زوجته"، "فلانة تفوز بمسابقة ستار أكاديمي"، "الشاب فلان: أمنيتي أن أموت ساجدا"… وسط غياب تام لرسالة توعوية تنويرية يمكن أن تحملها في طياتها للقارئ.

يعود هذا لربما إلى التنافس الإشهاري الذي تعرفه هذه الصحف والابتزاز الذي قد يمارسه رجال الأعمال عليها، يضاف إليها القيود التي تفرضها السلطة ـ وإن كان هذا محمودا في جوانب ومنبوذا في جوانب أخرى-، مع المستوى المتدني للصحفيين العاملين في هذه الصحف وخاصة أن الكثير منهم هواة وليسوا متمرسين.

لا زلنا نفتقر لصحافة متمرسة قادرة على مواجهة الغزو الثقافي وتأثيرات العولمة وأن هذه الصحف والقنوات التي نراها على الساحة ما هي إلا مسمار يضاف إلى المسامير التي تدق في نعش ثقافتنا

برز هذا الابتذال أكثر مع انتشار القنوات التلفزيونية الخاصة التي سارت بنفس النهج وأصبحت تمدح من يدفع أكثر وتهجو من يمتنع عن الدفع في ظل ابتزاز متبادل بينها وبين رجال الأعمال، وحتى تلقى رواجا في السوق فقد لجأت لأرذل الأعمال من خلال التهريج والانحلال دون الالتزام بالهدف الأسمى الذي كان من المفترض أن تسعى لتحقيقه هذه القنوات بتنوير الشعب وتحرير تفكيره من التفكير المقيد إلى التفكير الحر المبدع.

يبدو واضحا وجليا أننا وبعد خمس وخمسون سنة من الاستقلال لا زلنا نفتقر لصحافة متمرسة قادرة على مواجهة الغزو الثقافي وتأثيرات العولمة وأن هذه الصحف والقنوات التي نراها على الساحة ما هي إلا مسمار يضاف إلى المسامير التي تدق في نعش ثقافتنا وحضارتنا العربية الاسلامية، دون أن تكون لها رسالة واضحة المعالم لخدمة قضايا المجتمع والاسهام في نهضته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.