شعار قسم مدونات

من ضيقِ الذنب إلى سعة الرحمة!

blogs - البكاء في الصلاة

"لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا". أراها من ألطف أقوال النبي وأكثرهن تِكرارا في ذهني حين تتعثر خُطاي. فيها من اللُطف والجمال ما لا يخفي على أحد. تبعثُ في نفسي من الأمان ما لو بحثتُ عنه دهرا ما وجدته. يُذكر أن النبي قالها لصحابته عندما مروا على امرأة تُرضِع ولدها. الأم شيء جميل، دافئ، فيها تتجسد أعلي مراتب الحب البشري، ربما سيقت هُنا كمثال لأعلي درجات الرحمة البشرية. أمٌ وولديها، فهل تُراها طارحة بوليدها في النار؟ لا. إذا فكل ما يجول في خاطرك عن رحمتها بوليدها فالله -سبحانه -يفوق ذلك. يفوقها رحمةً وعطفا ولُطفا بعبده. كتب سبحانه على نفسه الرحمة، فهل تُراه يحبسها عنا؟ حاشاه.

إذًا فأنت كمؤمنٍ عاقل تُدرك أن الله رحيم؛ مقدار إدراكك لسِعة رحمته يتناسب مع مدى علمك عنه وفهمك لمكامن ضعفك وكذلك إدراكك لمداخل الشيطان لديك. فأن تكون عالِمًا عن الله الرحيم فلابد أن ترى بقلبك الرحمة في كل شيء. حين تُدرك سِعة الرحمة ستلمسها في المنعِ قبل العطاء، والشِدة قبل الرخاء. فكما يغمُرك الامتنان لرحمته في فتح باب الوصل بينك وبين السماء فلابد أن تتقفى أثرَ الرحمةِ في الزللِ بعد الثبوت وطول الجِهاد. فربما يبتليك بالذنب كي يمحو العُجب من قلبك فيخِرُ القلب ذليلا بين يدى مولاه.

إن رحمةَ الله وسِعت كل شيء، وأنا شيء وكذلك أنت. نحن جميعا هباءات تتطاير في كونه وهو الكبيرُ في عليائه نؤمن به ونرجو رضاه. نتعثر؟ نعم. كثيرا؟ كذلك أعتقد فليس من بيننا معصومٌ ولا نبي يسير بهدي الوحي. بداخلنا زللٌ قائم ونفسٌ ضعيفة تحتاجُ لمن يرفُق بها ويقبلُها على العِلات فيعلو بها ولا يركن. أما جلد الذات والانطواء على النفس -وإن عثُرت نُنحيها جانبا -لا يُجدي. بل يزيد النفس ضعفا وخنوعا للهوي فيُبحر بها في بحرٍ لُجيٍ تُحيطه الظُلمات من كل جانب!

واعلم أنَّ الله إله، والإله الذى نؤمن به كتب على نفسِه الرحمة. يحكُم فينا بعلمه الذي وسِع كل شيء لا بنظرتنا البشرية المُهترئة. نظر الله شامل. يرى فينا مالا نراهُ في أنفسنا، يرى خلجات الصدر ورجفته حين تتعثر خُطانا

أؤمن أن الذنبَ كالظلام ينوء بوطأته على النفس فيُعييها. يُحيط بنفس صاحبه – إنْ له استسلم – فيُغلق عليه منافذ التوبة. يصير حبيس خطيئته فلا نورا يرى ولا رحمة يرجو. يُحييه في إطاره، يتنفس جو الخطيئة وأهلها ويحيا معها ولها. تُغلق عليه الدوائر وتنساقُ قدمه من ذنبٍ إلى آخر. فبابُ التوبة يراهُ مُغلقا، وبالتالي باب الجزاءِ في الآخرة مصيره مُعلنا. وبابُ الهوى مفتوح يدعوه إن إتى.. فإن زللتَ إلى هُنا فلا تُطِع.. لأنك إنْ ولِجتهُ انغمست فيه وكان أمرك فُرطا وإلى اللهِ فاركن يا رفيقي فبابُ الرحمةِ لم يُغلق بعد.

واعلم أنَّ الله إله، والإله الذى نؤمن به كتب على نفسِه الرحمة. يحكُم فينا بعلمه الذي وسِع كل شيء لا بنظرتنا البشرية المُهترئة. نظر الله شامل. يرى فينا مالا نراهُ في أنفسنا، يرى خلجات الصدر ورجفته حين تتعثر خُطانا، يسمعُ أنين القلبِ المُذنب. يرى الدموع المُتحجرة في المُقفل.

 

يفهمُ الكلمات المُتناثرة في عقلك هنا وهُناك بينما لا تقوى على التلفظِ بحرف. سُبحانه يرى ويسمع، وكذلك يرحم. فإن كان ذنبُك عظيما فرحمتهُ سبقت غضبه فلا تيأس. وإن أعياك ذنبك فانفُض غُبار الوَهنِ عنك وإلى اللهِ فتُب واعلم أن نفسُك إن ضاقت واستضاقت ففي رحمة الله سِعةٌ لا تبلُغها إلا بتمام اللجوء إليه وصدق التوكل على من أخبرنا قائلا: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتُك بقرابها مغفرة ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.