ورغم أنّ هاتين الخاصّتين تدلاّن دلالة قاطعة على انتماء "كائن" الإرهاب إلى عالم التّوحّش، إلاّ أنّ أكثر من فريق في مجتمع السّياسة أتى بالدّليل "التّجريبيّ" على إمكان ترويضه كما تُروّض وحوش السّرك، بل وتدريبه على عروض تدرّ أموالا طائلة. المهمّ أن تنطق بكلمة السّرّ حتّى يأتيك طائعا بين يديك. لكنّه ككلّ الوحوش المدرّبة، ينقلب أحيانا على مروّضيه، فالطّبع غالب.
لا أحد من عوالم السّياسة والفنّ والعلم واللّغة يدرك، على ما يبدو، أنّنا عبرنا إلى "ثيبة" الخراب وفتحنا صندوق "بندورا"، فمازال "أوديب" يقتل أباه في تصديق عجيب لقول الإمام عليّ رضي اللّه عنه "الملك عقيم". |
ههنا يتغيّر الخطاب "العلميّ" السّياسيّ من المعطيات "التّجريبيّة" إلى "إنشائيّة نظريّة"، أو حتّى "سرقات فكريّة" في محاولة بائسة للخلاص من "الوحش" الكاسر الّذي أطلقوه على أنفسهم، وفي ادّعاء مخادع عن برائهم وبراء "مخابرهم" منه، زاعمين امتلاكهم "ترياقه" وهو مغشوش. وكم يبدو الأمر مضحكا وهم يجهّزون أنفسهم على عجل لطمس آثار "تجاربهم" في حاضنتهم.
لكنّ من يجب أن يفرح حقّا هو مجتمع المسرح، بل أن يزهو بـ"اقتباسات" المجتمع السّياسيّ من أعمال روّاده في أعمال "فنيّة تجريبيّة" فاقت كلّ خيال، مبشّرة بعصر من "الإبداع" يبدو أنّ فاتحته حطّمت حدود "المأساة" وجاوزت أفق "التّراجيديا" اليونانيّة بكلّ "وحوشها" وآلهتها التّي خلقتها، فبدت كأنّها نفذت إلى "سرّ الأسرار".
لقد شارف عالم السّياسة على فهم لغز "أبي الهَوْل" الذي تركه "سوفكلس" دون تفسير، رغم أنّه أقام به الحجّة على خراب بيت "أوديب" الملك ومُلكه عندما نطق أمامه بكلمة السّرّ: "الإنسان"، فعبر به إلى عالم الخراب. لم يكن "كائن الإرهاب" معروفا في ذلك الوقت ولا العنكبوت وبيتها الواهن كما صوّره القرآن بأرفع صور البيان.
لا أحد من عوالم السّياسة والفنّ والعلم واللّغة يدرك، على ما يبدو، أنّنا عبرنا إلى "ثيبة" الخراب وفتحنا صندوق "بندورا"، فمازال "أوديب" يقتل أباه في تصديق عجيب لقول الإمام عليّ رضي اللّه عنه "الملك عقيم". أمّا أرفع صور القصّ في بيان هذا الأمر فهي دون شكّ آية من القرآن الكريم (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون)، في إحالة قويّة إلى الشّيطان وأوليائه. وما زال "أبو الهول" يأكل الأخضر واليابس ويكسر عضام صانعيه.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.