شعار قسم مدونات

نحن فراعنة هذا العصر

blogs - car
بينما أنت مستغرق في نومك، ومع دخول موعد صلاة الفجر، ينبهك خادمك بكل أدب: يا سيدي لقد حان موعد نهوضك من السرير، ويمضي بهدوء. وبعدها بثوان يأتي الشيخ الذي طلبت منه ليلة البارحة أن يؤذن لك بصوت جميل رقيق عند دخول وقت الفجر، ويبدأ بترديد الأذان على مسامعك، فتغادر فراشك متجها إلى دورة المياه للوضوء.

فيقوم خادمك بتشغيل المياه الدافئة لكيلا يمسك أي برد. وتلوح يدك عن يمينك، وإذ بمنشفتك بين يديك. تأمر خادمك بصوت أجش بأن يعد لك قهوة الصباح، وما إن تنتهي من صلاة الفجر إذ بقهوتك تنتظرك، فينادي عليك خادمك المخلص: يا سيدي طريقك إلى العمل مزدحم قليلا ويفضل أن تنطلق لوجهتك مبكرا كي لا تتأخر عن مواعيدك.

وتبحث عن حبة تفاح لتتناولها فلا تجدها، فتأمر خادمك بصوت جهوري: ذكرني أن أحضر بعضا من التفاح قبل نهاية النهار، فيجيب: أمرا وطاعة يا سيدي. وبخروجك من قصرك تجد موكبك الملكي بانتظارك وعلى أهبة الاستعداد لنقلك لوجهتك المرجوة، وقبل التحرك ينادي أحد حراسك الملكيين: إن الطريق فيه بعض الانزلاقات ويفضل أن نتحرك بسرعة معقولة حفاظا على سلامة الملك. فتهز رأسك بالموافقة. وتأمر خدمك بأن يرفعوا درجة حرارة المقصورة فلا تريد أن تصاب بنزلة برد، وبثواني يلبى طلبك.

كلنا فراعنة القرن العشرين، فأقلنا حظا يتمتع بنعيم الملوك الأوائل ولدية خدم وحاشية من الأجهزة الإلكترونية والخوادم الذكية وعديد من تطبيقات المساعدات الشخصية التي تنظم مواعيده وتذكره بما يشاء وقت يشاء، وجلنا لديه مؤذنه الخاص يذكره بوقت الصلاة، ولدية خادمه الإلكتروني الذي يوقظه في الصباح دون شكوى وبلا كلل أو ملل، ولدينا موكبنا الخاص من السيارات الفارهة التي تقلنا لمرادنا بسرعة ليلا أو نهارا دون طلب لفترات راحة أو لتناول الطعام، ومزودة بأنظمة تكييف وتبريد تبقينا في راحة ورخاء طوال وقت الرحلة.

في عصرنا كلنا ملوك ولكننا ملوك بائسين وقانطين، غفلنا عن النعم التي وهبها لنا الله والتي لم يتمتع ملوك الماضي بعشرها، واخترنا الشكوى على الامتنان، ونسينا أن الله قد شرفنا بسلطان العلم.

ملوك مصر الفراعنة  كانوا ينتظرون الماء لساعات كي يصل عبر الأقنية إلى بلاط القصر، وكانوا يعانون من الحشرات طوال الليل لعدم وجود بدائل تسهل حياتهم، وكانوا يقاسون رائحة الزيت في فوانيسهم لعدم توفر الكهرباء، وموكبهم يحمل على أكتاف الرجال ولم يكن لديه علبة سرعات ليختار المشي بسرعة أكبر، ولا في موكبه رفاهية التبريد في مقصورته حيث لم يتعدى نظام التهوية بضع ريشات يحركها الخدم أمامه.

في عصرنا كلنا ملوك ولكننا ملوك بائسين وقانطين، غفلنا عن النعم التي وهبها لنا الله والتي لم يتمتع ملوك الماضي بعشرها، واخترنا الشكوى على الامتنان، ونسينا أن الله قد شرفنا بسلطان العلم الذي يقودنا كل يوم لسبل تجعل حياتنا أكثر راحة ورفاهية ممن سبقونا بلا منازع. إن اخترنا أن نتجاهل كل هذه البركات السماوية والنعم التي لا تحصى واخترنا ألا نؤدي شكرها فإننا بالفعل فراعنة هذا العصر بل شر مكانا من الفراعنة الذين سبقونا، قال تعالى: ((وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)) (سبأ-13).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.