شعار قسم مدونات

فيش و تشبيه سياسي

blogs - أدهم صبري
كان مهماً جداً أن تمتلئ ثنايا طفولتنا بالكتب، تلك التي تناسب أعمارنا و حجم عقولنا و خيالَنا؛ خيالُنا الذي كان ينمو مع كل سطر نقرأه. الكثير منا يذكر الروايات البوليسية للأطفال و أبطالهم و قصص الألغاز ومغامريهم.


أبدع "نبيل فاروق" بالروايات البوليسية وبالأشهر منها سلسلة (رجل المستحيل) والذي لعب فيه دور البطولة ضابط المخابرات المصري المسمى أدهم صبري، أو كما يطلق عليه ( ن-1 ). و أتركك مع النص الشهير الذي كنا نقرأه مطلع كل قصة بكامل الدهشة:

"(أدهم صبري).. ضابط مخابرات مصري يرمز إليه بالرمز (ن-1) حرف (النون) يعني أنه فئة نادرة، أما الرقم واحد فيعني أنه الأول من نوعه، هذا لأن (أدهم صبري) رجل من نوع خاص فهو يجيد استخدام جميع أنواع الأسلحة من المسدس إلى قاذفة القنابل وكل فنون القتال من المصارعة و حتى التايكوندو هذا بالإضافة إلى إجادته التامة لست لغات حية و براعته الفائقة في استخدام أدوات التنكر و (المكياج) وقيادة السيارات والطائرات و حتى الغواصات إلى جانب مهارات أخرى متعددة.. لقد أجمع الكل على أنه من المستحيل أن يجيد رجل واحد في سن (أدهم صبري) كل هذا المهارات، و لكن (أدهم صبري) حقق هذا المستحيل و استحق عن جدارة ذلك اللقب الذي أطلقته عليه إدارة المخابرات العامة .. لقب (رجل المستحيل)".

بمعرض ذكر الاثنين؛ " فاروق " و " سالم "، فإنهما وللأمانة قد أضافا للكثيرين ممن كانوا يقرأون لهم في صغرهم زخما ثقافياً و أدبياً رائعاً و حصيلة من المفردات جميلة.

كنا نغوص في قصص هذا المصريّ بشغف لا حد له، كيف لا وقد كان في كل مرة يبهر خصمه قبل حليفه بقدرته وسرعته وذكائه، فكنا نراه تارة "يفجر أنف خصمه بقبضة يده ويرميه ثلاثة أمتار كاملة فاقداً اثنين من أسنانه الأمامية، كما يسجل الخصم فيما بعد في تقريره"، وتارة أخرى " يقود سيارة وهو مقيد المعصمين ممسكاً المقود بأسنانه ". يقضى على نصف دستة من الرجال المدججين بالرشاشات وهو يحمل مسدساً في ثلاث ثوان، " في الثانية الأولى يضع خطته وفي الثانية يحسب احتمال نجاحها و تلزمه الثالثة فقط لإتمام الخطة وإسقاط الرجال فاقدي وعيهم دون أن ينبسوا ببنت شفة ".

أما "محمود سالم " رحمه الله فأجاد قصص المغامرين الخمسة المشهورين؛ تختخ وعاطف ومحب ونوسة ولوزة، يصفهم الكاتب مطلع كل قصة:

"من هم المغامرون الخمسة؟ إنهم أصدقاؤك الذين يتدخلون لحل الألغاز والإيقاع باللصوص وإنقاذ المظلومين. وهم في مثل سنك تقريباً (محب) وأخته (نوسة) و(عاطف) وأخته (لوزة) وقد كان هؤلاء الأربعة يشرعون للقيام بالعمل معاَ، ثم انضم إليهم (توفيق) وهو أكبر منهم قليلاً. وقد أطلقوا عليه لقب (تختخ) حسب الحرف الأول من اسمه الرباعي (توفيق خليل توفيق خربوطلى). و(تختخ) ولد ذكي وقد أصبح رئيساً للمغامرين الخمسة. وهو عقلهم المفكر، وبطلهم الشجاع. ويبقى أن نقدم لك (زنجر) الكلب الأسود الذكي. هؤلاء هم المغامرون الخمسة وكلبهم (زنجر) أبطال الألغاز التي تحبها ".

إلا أن شاويشاً في حيّهم اسمه (فرقع) كان لا يستطيع كتم غيظه كلما سبقه هؤلاء الصغار في حل ملابسات اللغز مهما كان بسيطاً، مؤنباً إياه المفتش (سامي)، فهم على صغرهم يفوقونه ذكاءً، خاصة ذلك البدين المدعو (تختخ) وكلبه (زنجر) الذي ما إن يراه (فرقع) حتى يبدأ بالسب و الشتم على الأولاد الصغار و كلبهم و يظل يكررها كأنها اسطوانة مشروخة.

وبمعرض ذكر الاثنين؛ " فاروق " و " سالم "، فإنهما وللأمانة قد أضافا للكثيرين ممن كانوا يقرأون لهم في صغرهم زخما ثقافياً و أدبياً رائعاً و حصيلة من المفردات جميلة تعمدت أن أستعمل بعضها بين السطور، فترى الطفل لم يتجاوز السادسة أو السابعة يتفوق على أقرانه أو من هم أكبر منه سناً نتيجة تزاحم المعلومات في هوامش "فاروق" وتراكم المصطلحات والأماكن في أوراق "سالم".

كنا نغوص في قصص هذا المصريّ بشغف لا حد له، كيف لا وقد كان في كل مرة يبهر خصمه قبل حليفه بقدرته وسرعته وذكائه.ا

رجل المستحيل – أدهم – كان حلماً و بطلاً، أما الشاويش فظل في كل القصص مدعاة للسخرية.
(أدهم) هزم أعتى رجال المخابرات العالمية، و(فرقع) كانت تهزمه (لوزة) الصغيرة. (أدهم) نجح فيما عجزت عنه دول بأكملها، والشاويش لم يقدر على حل شيفرة مكتوبة بالحبر والليمون. (أدهم) استطاع أن يخلص مصر و العالم من الإجرام ومنظماته الكبرى، والشاويش لم يستطع الخلاص من (زنجر) إذا ما عبث بساقيه وبنطاله.

"فاروق" صنع أسطورة بين أسطره تمنينا جميعنا أن تقوم وتبعث وتحقق على الأرض ما حققته حبراً على ورق صغير الحجم (وهو ما تميزت به كتبه). لكن "سالم" رحمه الله كتب لنا على ورق ( يشبهنا إلى حد كبير؛ جاف مائل للصفرة لا يسر القارئين) عن شاويش يؤنبه (الكبار) و يسخر منه (الصغار)، تعجزه (كل المسائل) وتقلق منامه (زمجرة كلب)!

بصُر "سالم" بما لم يبصر به "فاروق"، فإنك لو عملت (فيش وتشبيه) – كما يطلق عليه المصريون – فلن تجد (أدهم) بيننا! بالمناسبة، لو عملته ووجدت تطابقاً تامّاً لأحد مع (فرقع) فإنما هو من قبيل المصادفة البحتة ولا علاقة لـ "سالم" رحمه الله بذلك فإنه أفضى والشاويش إلى ما قدّما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.