شعار قسم مدونات

الفرنك الأفريقي.. أكذوبة الاستقلال المجيد

مدونات - الفرنك الإفريقي
"ﻓﻲ ﺳﺒﺘﻤﻴﺮ ﻋﺎﻡ 1939 ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﻣﺘﺼﻞ ﺑﺈﻋﻼﻥ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺿﺪ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ، ﺃﺻﺪﺭﺕ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻣﺮﺳﻮﻣﺎ ﻳﻨﺸﺊ ﻧﻈﺎﻡ ﺻﺮﻑ ﻣﺸﺘﺮﻙ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺮﺳﻮﻡ ﺇﻋﻼﻧﺎ ﻟﻨﺸﺄﺓ "ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻓﺮﻧﻚ" ﻭﺗﻤﻴﺰﺕ ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺼﺮﻑ، ﻭﻓﻲ ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 1945 ﺗﻢ ﺇﻧﺸﺎﺀ ﻧﻘﺪ ﺧﺎﺹ ﺑﺎﺳﻢ "ﻣﺴﺘﻌﻤﺮﺍﺕ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺍﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ" (colonies françaises d’Afrique C.F.A) ﻭﺣﺪﺩﺕ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺑـ 1.7 ﻓﺮﻧﻚ ﻓﺮﻧﺴﻲ، ﻭﻭﺻﻠﺖ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍ ﻋﺎﻡ 1949 ﺇﻟﻰ 2 ﻓﺮﻧﻚ ﻓﺮﻧﺴﻲ، ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻪ ﺗﻢ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﻌﻤﻠﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﻚ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﻭﻇﻞ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻫﻜﺬﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻧﺎﻟﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، ﻭﺗﻢ ﺗﻮﻗﻴﻊ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ، ﻋﺪﻝ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﺳﻢ ﻭﺷﻜﻞ ﺍﻟﻌﻤﻠﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺑﻘﻲ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﻭﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ ﻗﺎﺋﻤﺎ".

بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد مؤتمر "بريتون وودز" عام 1944م، الذي يعتبر عماد النظام النقدي العالمي، والذي أسس فيه نظام الصرف الأجنبي، وتماشيا مع مخرجات هذا المؤتمر، عمد رئيس الجمهورية الخامسة الفرنسية، الجنرال ديقول إلى وسيلة لتنظيم نقد المستعمرات الفرنسية السابقة لضمان التبعية والهيمنة الفرنسية، وكذلك ضمان ارتباطها بالفرنك الفرنسي بعد استقلالها. 

الاستقلال الذي نالته هذه الدول مع بقاء التعاون الفرنسي في مختلف المجالات، باتفاقيات مشبوهة لا يعلم بنودها حتى بعض قادة دول المستعمرات السابقة، التعاون الذي يتجلى في ظاهره الاستقلالية الزائفه لهذه الدول. إن "منطقة الفرنك" أو "عملة الفرنك" أحد رواسب الاستعمار في عهده القديم في ظل الجمهورية الرابعة والتي تجسدها الجمهورية الخامسة "الاستعمار في عهده الجديد" كنظام نقدي تعاوني.

هذه العملة "الفرنك" وسياساتها لا تخدم شعوب المنطقة بل تؤمن المصالح الفرنسية في المقلم الأول، والشاهد على ذلك مدى تخلف غالبية بلدان المنطقة وتدني مستويات التنمية وانتشار متلازمة الفقر والجوع والمرض.

تضم منطقة الفرنك 15 دولة تنقسم إلى مجموعتان: 
– الاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب إفريقيا: وتضم ثمان دول هي: (ﺑﻨﻴﻦ – ﺑﻮﺭﻛﻴﻨﺎ ﻓﺎﺳﻮ- ﻛﻮﺕ ﺩﻳﻔﻮﺍﺭ- ﻏﻴﻨﻴﺎ ﺑﻴﺴﺎﻭ – ﻣﺎﻟﻲ – ﺍﻟﻨﻴﺠﺮ – ﺍﻟﺴﻨﻐﺎﻝ – ﺗﻮﻏﻮ). يتولى الإدارة النقدية لهذه المجموعة البنك المركزي لدول غرب إفريقيا.
– الاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول وسط إفريقيا: وتضم ست دول هي:(تشاد – الكاميرون – الغابون -الكونغو – إفريقيا الوسطى – غينيا الإستوائية). يتولى الإدارة النقدية لهذه المجموعة البنك المركزي لدول وسط إفريقيا. بالإضافة إلى دولة جزر القمر وبنكها المركزي.

هذه البنوك الثلاث، تتبع للبنك المركزي الفرنسي ويتم إدارتها وتأطير سياساتها من قبل هذا البنك وهي ليست إلا صورة شكلية للاستقلالية الزائفة، والدليل وجود موطفين فرنسيين في المجالس الإدارية لهذه البنوك لضمان وضع سياسات تتماشى مع إرادة الإدارة في البنك المركزي الفرنسي وضمان مصالحها.

ويتجلي ذلك في المبادئ المنظمة لعملة الفرنك، حيث أن مبدأ مركزية الحسابات "حساب التشغيل" يترتب عليه تسليم احتياطات نقدية إلى خزينة فرنسا كضمان للعملة، "ﻓﻤﻦ ﻋﺎﻡ 1945 ﺇﻟﻰ 1973 ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻭﻝ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﻚ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ﺗﻀﻊ 100 بالمئة، ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻟﻬﺎ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ، ﻭﻣﻦ ﻋﺎﻡ 1973 ﺇﻟﻰ 2005 ﺗﻢ ﺗﺨﻔﻴﺾ ﺍﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ 65 بالمئة، ﻭﻣﻦ 2005 ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺗﻘﻮﻡ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺈﻳﺪﺍﻉ 50 بالمئة، ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻟﻬﺎ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ"، والفوائد العائده من هذه الأصول التي تشكل كما هائلا وثروة لا يستفيد منها الدول المودعة بل فرنسا؟!

ومبدأ ثبات سعر الصرف بين الفرنك واليور عند655.957 فرنك، يترتب على ذلك عدم قدرة هذه الدول على خلق توازنات لتوفير بيئة اقتصادية تجذب الاستثمارات الأجنبية والمرونة في التعاطي مع متطلبات العرض والطلب والأزمات الاقتصادية.

ومبدأ حرية تحويل الفرنك إلى اليور، وذلك على أن الفرنك غير قابل للتحويل إلا لليورو فقط، وبدون تحديد الكمية التي يمكن تحويلها دوريا، الأمر الذي يقيد دول المنطقة في تعاملها النقدي مع الدول أو الشركات ويجعل من فرنسا شبه مراقب مالي لا بد من مرور جميع العمليات المالية به. 

ومبدأ حرية تحويل رؤوس الأموال من المنطقة إلى فرنسا، "والذي يمكن للمستثمر الأجنبي والوطني بنقل روؤس الأموال من المنطقة إلى فرنسا دون قيد تشريعي، أدى إلى انتفاء الادخار العام" مما أدى إلى سهولة نقل أموال الكسب الغير مشروع. 

هذه العملة وسياساتها لا تخدم شعوب المنطقة بل تؤمن المصالح الفرنسية في المقلم الأول، والشاهد على ذلك مدى تخلف غالبية بلدان المنطقة وتدني مستويات التنمية وانتشار متلازمة الفقر والجوع والمرض وكذلك تدني مستوى التعليم والبطالة والفساد الإداري في المنطقة وثقل ديونها، الأمر الذي سمح للإدارات المتعاقبة على الإليزيه تنظيم ووضع سياسات هذه العملة، منزوية خدمة لمصالحها فقط، وكذلك دون إلتفاتها إلى تقريب الفجوة والانقسام بين الدول المتقدمة والدول النامية، وبذريعة التعاون، استباحت خيرات هذه المنطقة من خلال تبعيتها الاقتصادية، وهذه العملة خير دليل على ذلك.

لا بد للعالم أن يعي أن هذه التبعية "للفرنك" هي سبب ما نعانية من تخلف وفقر ومرض وتشرد وعليه أن يعمل على معالجة هذا الأمر باجتثاث أسبابه الحقيقة دون أخذها بالسطحية التي طغت على المنظومة الدولية "الأمم المتحدة" في تعاطيها مع أزمات المنطقة واضطراباتها.

وهذه الإمبريالية في ثوبها الجديد تواجه كل من يقف في ووجها بأساليب تختلف عن العهد القديم من خلال شراء الذمم وزرع الفتن، فدول هذه المنطقة منذ أكذوبة استقلالها المجيد إلى يومنا هذا تشهد انقلابات عسكرية واغتيالات لقادتها وتحاك أغلب هذه المؤامرات بعد تصاعد صوت المناهضين للتبعية الذي يختفي أو "يذهب وراء الشمس" من القادة أو المثقفين، ونجد أغلب روؤساء بلدان المنطقة مستبدين، وطغاة متمسكين بالحكم، بمباركة فرنسا لأنهم يسخرون جهودهم من أجل خدمتها وتطويع ثروات البلاد لها على حساب إنهاك الشعب وتضيع حقوقه وثرواته، من أجل بقائهم في السلطة. 

ومع تنامي شعور شعوب هذه المنطقة تجاه مساويء هذه العملة وهذه التبعية ومع ما تحققه دول الجوار لهذه المنطقة من تقدم وازدهار مبني على استقلالية تامة وسيادة تامة، يدغدغ شعوب المنطقة مع ما بينها من تقارب وصلة دم وتشابه في البيئة والكثافة السكانية والثروات الطبيعية، وهذا يغذي شعورها بالاستعباد الذي تمارسه فرنسا، وكذلك بروز حملات مناهضة لهذه العملة وحدت طموحات أبناء المنطقة المتطلعين لتنمية شاملة تنتشلهم من براثن القفر المدقع إلى الازدهار والتنمية.

لا بد من الخلاص المحتوم من هذه التبعية التى جعلتنا أذلاء في دارنا، وسلاح خلاصنا العلم والقلم. ولا بد للعالم أن يعي أن هذه التبعية هي سبب ما نعانية من تخلف وفقر ومرض وتشرد وعليه أن يعمل على معالجة هذا الأمر باجتثاث أسبابه الحقيقة دون أخذها بالسطحية التي طغت على المنظومة الدولية "الأمم المتحدة" في تعاطيها مع أزمات المنطقة واضطراباتها، وتفسيرها بأسباب تغيب حقيقة مسلمة وهي يجب أن تكف فرنسا عن تدخلها في شوؤن المنطقة، وتدع بلدان المنطقة وشعوبها ينعموا باستقلال حقيقي لا صوري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.