شعار قسم مدونات

قطر كسبت قلوبنا

مدونات - قطر
فيما كنت أنوي التهام مقرر التحكم الآلي، وجدتني أكتب لكم هذا المقالة عن النبيلة "قطر"، عن فزاعة الإرهاب، وعن حملة قاسية يقودها أشقاء الدم واللغة. عن بلدة صغيرة، تقف دائما في الجانب المحق من التاريخ، عرفناها مذ نعومة الأحلام، ترعى أحلامنا. تناصر طموحنا الشاب وتشق معنا طريقاً للحق، للخير، وللعدالة.

أين هي العدالة؟ وكل هذا الجور يفتك بما بقي من عالمنا الجميل، من عالمنا الحر والحي، عالم الإنسان النبيل وقطر. الآن فقط، يحق لي أن أفقد إيماني بالعدالة، ويحق لي أن أسأل: ماذا صنعت زهرتنا القريبة سوى أنها أضاءت مشاعل الحرية لنا بعدما كاد يخفت ضوئها، وبعدما رزح الظلم لعقود على كاهلنا البكر؟

ماذا أجرمتْ سوى أنها رحمتْ ضعفنا يوم أن تلفتنا كثيرا ولم نجد أحد، يوم كنا نتجرع الألم وحدنا ولم ينصفنا أحد. يوم لم يكن أحد، وكانت قطر! ماذا اقترفت حبيبة شعوبنا غير أنها صرخت معنا بصوتها البكر والمكلوم، اتكأت على ضميرها الحي وأنصفت إنساننا، تلقفتْ صوتنا المبحوح فكان صوتاً لها وكنا بركاناً هز أركان طغاتنا يوم كانت ملاذنا.

ألم نقل لكم قبل، ونحن شعوبكم، مصدر قوتكم: أن قطر أرضنا الثانية، وأنها قبلة أحلامنا، ومهبط عروبتنا، ونحن من صعدتم على أكتافنا.

يوم أمعن فينا الطغاة صنوف العناء؛ أسندتنا قطر وتجاهلنا كل الإخوة. تخلت عنا القبلة، فكانت الرحيمة قبلتنا، قبلة الملهوف. نصرتْ مظلومنا حين كنا بأمس الحاجة لصدى يوصل أنين وجعنا لعالمنا الجبان. ضمدتْ قطر جراح أمتنا الغائرة، ثم كشرت عن أنيابها الناعمة بلطف، وجابهتْ كل الظلم. في الوقت الذي كان ظهرنا مكشوفاً للأعداء، كانت هي ظهرنا.

تلقتْ عنا الصدمات، طعنها الأعداء بقسوة في خصرها والأشقاء، أثخنوها جراحاً، خنقوها وهي تنادي من بعيد، بصوتها المرتجف، بصوتها المكلوم والرحيم: "سلام عليكم يا إخوتي. ألف سلام"، لأجلنا خسرتْ كثيراً وكسبت قلوبنا، ماذا تريد الرحيمة أكثر! ماذا تريد قطر؟ لتهمس لنا فقط، ونحن لها فداء. سنصرخ معها حتى تبح أصواتنا، وليسمعنا كل هذا العالم الجبان.

سنسأل بحرقة، سنسأل إخوتنا الأعداء ولن ننتظر إجابة، سنعاتبهم بحب: ماذا أجرمتْ قطر – قبلة المضيوم – بحقكم ؛ لتخنقوها، لتعاقبوها، ولتحرضوا عليها بكل هذه القسوة؟ هل هكذا يعاقب الشقيق شقيقة، ما هي الخصومة عندكم وما هي عند كل العالم؟ امنحوني سبباً واحداً أو ارموا بي في جحيم قطر، لا أريد نعيمكم، ولا جنتكم.

بربكم من تنصفون؟ وأنتم تتفاخرون هكذا بحصار بلدة، تفتكون بها ثم تخطبون كل الكون ليفتك بها معكم؟ ماذا تركتم للعدو إذن؟ يا أشقاءنا. ماذا أبقيتم؟ هل يحق لنا بعد الآن أن نقاضي صهيون لأنها تحاصر أمتنا المغلوبة في فلسطين، أو حتى ننبس في وجه عدو ببنت شفة! أجيبوني، أو اذهبوا بي إلى الجحيم.

امنحوني دليلاً واحداً قبل أن أملأ هذا الفضاء من حولكم بعلامات تعجبي المر ثم انضم -رغماً عنكم – لإرهاب قطر! أجيبوني – لو استطعتم – أو ابتلعوا ألسنتكم واغربوا عن وجهي إلى الأبد.. بحق الله عندكم: هل يسركم ما تفعلوه بقطر؟ هل قلوبكم مرتاحة وأنتم تخنقوها هكذا مرتين وألف؟ ألم نقل لكم قبل، ونحن شعوبكم، مصدر قوتكم: أن قطر أرضنا الثانية، وأنها قبلة أحلامنا، ومهبط عروبتنا، ونحن من صعدتم على أكتافنا، ماذا نقول لكم أكثر لتفهموا؟

ضمدتْ قطر جراح أمتنا الغائرة، ثم كشرت عن أنيابها الناعمة بلطف، وجابهتْ كل الظلم. في الوقت الذي كان ظهرنا مكشوفاً للأعداء، كانت هي ظهرنا.

يا ويلكم من التاريخ، يا حكامنا، يا سندنا أنتم، يا ويلكم من الغد وأنتم تقسون هكذا بحق الرحيمة. أشمتم بنا الأعداء، فعلتم ما لا يفعله عدو، هكذا أصرخ أنا، وسيصرخ التاريخ معي في أقسى صفحاته وجعاً. سيكتب أنكم: يوم كان الأعداء يلتهمون أرضنا تركتموهم وحاصرتم شقيقتنا قطر، طردتم شعبها، ثم أمطرتموها حمماً وحقدا!

سيكتب أنها احتضنت خناجركم، تجاهلت ألمها وأنينها وقسوتكم، صاحت فيكم بحرقة محب: "أنا بخير، لا تبتئسوا يا إخوتي، لا تثريب عليكم، سامحتكم ألف، سامحتكم دهر، اذهبوا سلام عليكم، فأنتم الطلقاء"، وسأذكركم أنا يومها بهذه الكلمات! أجيبوني، لا زلت أسأل، وطالما أسأل، فلا  يحق لكم أن تقمعوني لأجل كلمة: ما هو الإرهاب، عرفوه لي فقط، فأنا فتى شقي، لا يفهم بالوعيد. إذا سمحت جلالتكم أجيبوا، ثم افعلوا ما شئتم، ارتموا في حضن من شئتم بعدها ولا تستخفوا بعقلي. أرجوكم افعلوا. أو قولوا: سلاماً عليك يا قطر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.