شعار قسم مدونات

صمود حراك

blogs حراك الريف

لا شك أن موجة الربيع بشمال إفريقيا والشرق الأوسط قد عصفت بأنظمة حكم كما زعزعت أخرى، غير أن الثابت في كل هذا هو وضعية الشباب الأمازيغي والعربي المسحوق، فكل التطلعات إلى غد أفضل تبخرت مع الاستبدادية تارة ومع الأطماع الأجنبية تارة أخرى وبين هذا وذاك تبقى وضعية الشعوب تزداد تأزما يوما بعد يوم.

فبعد مرور موجة الفبرايريين بالمغرب وانخفاض زخم الاحتجاجات به ظهرت واقعة قلبت الموازين وأربكت حسابات أعتى المحللين السياسيين، فالموتة الشنعاء لشهيد لقمة العيش محسن فكري بمدينة الحسيمة المغربية أظهرت موجة أخرى من الاحتجاجات ذات خصائص مميزة وفريدة من نوعها جعلته يستمر لسبعة أشهر متتالية أمام اندهاش الرأي العام الدولي وعجز الدولة المغربية أمامه.

28 أكتوبر أو الجمعة السوداء كما يحلو للبعض تسميتها هو تاريخ استشهاد شهيد الحكرة محسن فكري الذي أصبح اسمه أشهر من نار على علم بعد سحقه في شاحنة للنفايات عند مصادرة سلعته الغير مرخصة والتي بيعت في رصيف الميناء دونما حسيب أو رقيب. كان الشرارة الأولى لانطلاق حراك ممتد إلى يومنا هذا فبعد الحادث مباشرة تم استدعاء عامل الإقليم (المحافظ) والوكيل العام للملك من طرف جموح الشباب الغاضب حيث أقيمت لهم محاكمة جماعية إن صح التعبير وسط حلقية تزعمها الشاب ناصر الزفزافي الذي ألقى خطابا انتقد فيه بشدة ممارسات السلطات المغربية ووصفها بسياسة التهميش الممنهج التي تعاني منها الحسيمة وسط حلقية على الساعة الثالثة ليلا أمام مكان وقوع الحادث.

 

كان لزاما على السلطات المغربية كبح جماح هذا الحراك الذي تتسع قاعدته الجماهيرية يوما بعد اليوم في ربوع التراب المغربي حيث حاولت في بداية الأمر إقحام أحزاب إدارية وجمعيات موجهة قصد نسف الحراك داخليا والركوب على مطالبه

هؤلاء الشباب البسطاء تزعموا الاحتجاجات في الأيام التالية للحادث ولكي يرسخوا قيم الديمقراطية أكثر في حراكهم النبيل أقيمت جموعات عامة لتسطير ملفات مطلبية ذات مطالب اجتماعية واقتصادية محضة لكل منطقة على حدة ورغم كل المحاولات البائسة للسلطات المغربية من أجل وقف تمدد هذا الحراك إلا أن حالة صموده كانت عملة نادرة في تاريخ احتجاجات المغرب الكبير فنشطاؤه قدموا درسا في النخوة وعزة النفس ضاربين كل المساومات عرض الحائط ما جعل هذا الحراك يدخل وجدان كل صغير وكبير في ربوع الريف الكبير وجعله يتبوأ عناوين كبريات القنوات والجرائد الدولية.

كان لزاما على السلطات المغربية كبح جماح هذا الحراك الذي تتسع قاعدته الجماهيرية يوما بعد اليوم في ربوع التراب المغربي حيث حاولت في بداية الأمر إقحام أحزاب إدارية وجمعيات موجهة قصد نسف الحراك داخليا والركوب على مطالبه إلا أن النشطاء وقفوا بحزم أمام كل من يمتلك دعامة حزبه أو نقابيه أو مدنيه فمن وجهة نظرهم الحراك هو حراك الجماهير الشعبية الكادحة مستندين لماضي تلك الإطارات مع الريف.

 

حيث منذ بزوغ فجر الاستقلال أي منذ 60 سنة لم يقدموا أي شيء للمنطقة ورغم انتقاد عدة محللين لهذه البادرة إلا أنها لقت تعاطفا شعبيا كبيرا نظرا لفقدان المواطن المغربي الثقة في الأحزاب والنقابات أو كما يسمونها بالدكاكين السياسة وبعد فشل الخطة الأولى لجات السلطات لتخوين النشطاء فيما بينهم إلا أنها لم تفلح نظرا للتلاحم الأخوي الكبير الذي ميزهم بالإضافة للثقة المنقطعة النظير للجماهير في قادتهم فتبقى حل أوحد يتجلى في الاتهام بالعمالة الأجنبية والانفصال عبر الإعلام والصحف الصفراء قصد كسر المساندة القوية لباقي ربوع البلاد لهذه المنطقة مما قزم الحراك شيئا ما حيث توسعت الهوة بين مغاربة الشمال (الريفيون) وباقي المواطنين لقلة مصادر المعلومة وانتشار الأخبار المغلوطة غير أنه سرعان ما تدارك الأمر فيما بعد.

نشطاء الحراك أبانوا عن حنكة ودهاء فريدين من نوعهما رغم قلة تكوينهم الدراسي والسياسي فقد استطاعوا قيادة مسيرات بالألاف في مدن الحسيمة، امزورن، اجدير، ايث، بوعياش، تاركيست، ايث، حذيفة، وايث، قمرة المنتمية لإقليم الحسيمة بالإضافة لتروكت والدريوش وميضار وقاسيطة في إقليم الدريوش وكذلك العروي والناضور وسلوان بإقليم الناضور بالإضافة لعدة مدن ومداشر أخرى. وقد كانت أشهرهم أربيعينية الشهيد محسن فكري التي شارك فيها ما يناهز 100.000 مشارك قادمين من مدن مغربية أخرى.

 

مباشرة بعد ذلك عمدت القوى الأمنية لتطويق الساحات والفضاءات العمومية وفض أي تجمهر في بدايته غير أن سرعان ما تغير الوضع فأصبح النشطاء يعلنون تاريخ التظاهرة دون إعلان الساعة والمكان حتى يتم النداء عبر تقنية المباشر في الفايسبوك لتتجمع جموع المتظاهرين في أقل من 10 دقائق لتتجاوز عشرات الألاف وأمام هذا المأزق اضطرت السلطات الأمنية للقيام بإنزال أمني كثيف لم تشهده الحسيمة منذ انتفاضة 1958ما جعل الثكنات تمتلا عن أخرها نظرا للكم الضخم من القوات فكان رد النشطاء هو إقامة شكل احتجاجي من نوع أخر وهو القرع بالأواني من داخل المنازل غير أن الأمر سرعان ما تحول إلى مسيرات عفوية في شوارع المدن تميزت بصخبها الكبير.

أمام الفشل الذريع للحكومة بالريف كان رد الأغلبية الحكومية مباشرة هو رمي الحراك بتهم العمالة والانفصال دون الإفصاح عن أي دليل فكان رد المتظاهرين هو التظاهرة الأضخم منذ بداية الحراك بنسبة قاربت الربع مليون شخص تحت شعار هل أنتم حكومة أم عصابة هذه المسيرة التي وصل صداها العالم جعلت السلطة التنفيذية بالمغرب تتراجع عن تصريحاتها وترسل ولأول مرة في تاريخها وفدا وزاريا رفيع المستوى مكون من أزيد من 7 وزراء للمدينة غير أنه تم تجاهلهم من طرف الساكنة.

أبانت المقاربة الأمنية عن فشلها الذريع في الريف المغربي كما أبان الحراك عن صمود قل نظيره في العالم بأسره فحضاريته ورقي أشكاله الاحتجاجية تضع الدولة المغربية في مأزق أمام المنظمات الدولية

يوم 29 مايو المنصرم تجاهلت خطبة الجمعة شهر رمضان الأعظم وتحدثت عن الفتنة ووجهت أصابع الاتهام مباشرة للنشطاء حيث لم يتماك زعيم الحراك ناصر الزفزافي نفسه وقاطع الإمام ما جعل السلطات تصدر مذكرة اعتقال في حقه وباقي رفاقه غير أن انتفاضة شعبية لا مثيل لها تصدت للقوى الأمنية لأزيد من ساعتين لكي لا تصل لمنزل الزفزافي ورغم محاولته تسليم نفسه إلا أنه رضخ في الأخير لطلبات رفاقه ما جعله يتخفى لمدة ثلاث أيام قبل أن تقبض عليه فرقة من القوات الخاصة المغربية بالإضافة للقبض على أزيد من 70 معتقل ومختطف أخرهم دينامو الحراك نبيل احمجيق والناشطة الفنانة سيليا الزياني ورغم كل الترهيب والحصار في الأقاليم الثلاث إلا أن السكان أبانوا عن اصطفاف وتضامن كبيرين حيث ينظمون مسيرات ضخمة يوميا مباشرة بعد صلاة التراويح بالإضافة إلى الخوض في إضرابات للتجار تكللت بالنجاح بنسب نجاح وصلت لأزيد من 98 في المئة.

أبانت المقاربة الأمنية عن فشلها الذريع في الريف المغربي كما أبان الحراك عن صمود قل نظيره في العالم بأسره فحضاريته ورقي أشكاله الاحتجاجية تضع الدولة المغربية في مأزق أمام المنظمات الدولية التي دخلت على الخط وأمام الرأي العام المغربي الذي ساند المعتقلين السياسيين بأزيد من 600 محامي عازمين على خوض معارك قانونية داخل المحاكم للإفراج عن المعتقلين وبين رباطة جأش المحتجين وتعنت السلطات يأمل الشارع المغربي في تدخل مولوي سامي من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس لإعادة المياه إلى مجاريها في جوهرة البحر الأبيض المتوسط مدينة الحسيمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.