شعار قسم مدونات

زين.. وسطحيّة الفهم الدّيني

مدونات - إعلان زين

لا تقتصر المفاهيم الخاطئة في إعلان شركة "زين" على صورة عمران والعبارة الواردة في بدايته "سأخبر الله كلّ شيء" وإن كان هذان الأمران الأكثر سوءاً إذ يتضمّنان تبرئة القاتل. مطلع الأغنية الموارب أوقفني مع نفسي في حيرة، أهو ذات الوصف الذي وُصف به المؤمنون بأنّهم يعبدون ربّهم "خوفاً وطمعاً" و"لمن خاف مقام ربّه جنّتان"؟

ثمّة من روّج لفكرة العبادة بالحبّ وحده، أحد العبارات التي بقيت في ذاكرتي زمناً ما ورد على لسان شمس التبريزي في رواية قواعد العشق الأربعون "لا يعنيني الحلال ولا الحرام فأنا أفضّل أن أطفئ نار جهنم، وأن أحرق الجنّة حتّى يحبّ النّاسُ الله من أجل الحبّ الخالص!".

تعارضٌ سافرٌ مع حكمة الله تشمل انتقاصاً من الحبّ المعوّل عليه نفسه ومساومةٌ على قدراتٍ بشريةٍ دون درايةٍ حقيقيةٍ بإمكاناتها. شخصياً أرى الحبّ يتضمّن الخوف؛ خوفٌ من الفقد بعد امتلاك وخشيةٌ من عدم امتلاء القلب وبلوغ سويدائه. بيد أن العبادة في أصلها تقوم على الحبّ دون اختلاف، يرى بعض المفسرين إنّ كلمة الإله اشتُقّت من "الوله" أي شدّة الحبّ، وفي كلام الله أن أقرب المؤمنين إليه من "يحبّهم ويحبّونه".

المعاني المتناقضة تغري بالكتابة عنها لاسيما المعنى الأكثر تناقضاً البادي في فجور الخصومة وتحريف الواقع لتشويه الحقيقة في الوقت الذي تقول فيه الكلمات "خاصم ندّك سلماً لا حرباً!".

كان بعض الصالحين يقول: "من عبد اللّه بالخوف وحده فهو حروري -أيّ: من الخوارج-، ومن عبد الله بالرّجاء وحده فهو مرجئي، ومن عبد الله بالحبّ وحده فهو زنديق، ومن عبدَ اللّه بالخوف والرّجاء والحبّ فهو مؤمنٌ صادقٌ موحّد". وفي هذه المعاني جميعها ما يجعل الصورة مهتزّة لعبارة "اعبد ربّك حباً لا رعباً"!

وإن كان الرّعب أمر مختلف عن الخوف والخشية لكن وروده بتلك الطّريقة اجتزاءٌ للحقيقة ما يتطّلّب التوغّل في عمق المعنى لإدراك الصّواب. أما أن يكون المرء سهلاً يسراً فذلك من صلب الإسلام "إن هذا الدّين يسر؛ ولن يشادّ الدّين أحدٌ إلا غلبه" كما في الحديث لكن أن تأخذ الدّين نفسه على محملٍ سهل فذلك ممّا يضعف تأثير المرء على نفسه وفي مجتمعه ويخرجه من دائرة الفاعلين إلى أن يكون من العوامّ المتأثرين بالوقائع فحسب، ذلك الخطاب الذي لا ينتج قادةً حقيقييّن!

تذكر مُجمل الرّوايات وحتى الإسرائيليّات منها حادثة نبيّ الله يحيى "يوحنّا المعمدان" حين أريق دمه ثمناً لموقفه الثّابت أمام بغي السلطان وكان من توصياته عزّ وجلّ "يا يحيى خذ الكتاب بقوّة". وفي القرآن حين تحدّث ربّنا لمبلّغ دعوته وخاتم رسله بعد عودته من الغار مزمّلاً بأغطيته "قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا" "إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا". أمّا السّهولة والرفق فبِتعامُلك مع غيرك؛ فما خُيِّر النبيُّ عليه الصلاة والسلام بين أمرين إلا اختار أيسرهما، أمّا عن نفسك و"في دينك" كما تصفُ الأغنية فلابدّ أن تكون قويّاً صلباً ليس "سهلاً"!

لن أتابع الحديث عن بقيّة الكلمات، فالتوقّف لدى كل معنىً يجعل الأمر يطول ما يبدو وكأنّه دفاعٌ عن وجهة نظرٍ سلبيّةٍ ما! لكنّ المعاني المتناقضة تغري بالكتابة عنها لاسيما المعنى الأكثر تناقضاً البادي في فجور الخصومة وتحريف الواقع لتشويه الحقيقة في الوقت الذي تقول فيه الكلمات "خاصم ندّك سلماً لا حرباً!".

ربّما غطّى اللّحن والصّوت الجميل قليلاً على سطحيّة الكلمات، السّذاجة الدارميّة أيضاً الممتلئة بالابتسامات المصطنعة حاولت أن تغطّي سوءة المعاني، لكن مشهد عمران والعبارة التي استهلّ بها الإعلان بدايته كانتا القشّة التي قسمت ظهر البعير!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.