شعار قسم مدونات

أزمة الفكر العربي

blogs - crossroads

التعصب الفكري أصبح حالة مرضية مزمنة أصابت فئة كبيرة من مجتمعاتنا ، والواقع الذي نعيشه اليوم وما فيه من تناحرات وصراعات وعصبيات وعدم تقبل للآخر ما هو إلا تدهور واضح لتلك الحالة التي أصابت جسد أمتنا الهزيل. إذا فهي أزمة فكرية خانقة أجد من الضرورة بمكان تسليط الضوء عليها والوصول إلى تصور واضح عنها ومعرفة مواطن الخلل كمحاولة للتعافي من ذلك المرض الفكري- إن جاز التعبير- واكتساب مناعة ضده تمكننا من التعامل مع متغيرات الواقع بوعي أكبر والخروج من ضيق الجهل إلى رحابة الفكر.

هناك بعض الخصائص التي تميز مفهوم التعصب الفكري عن غيره من أنواع العصبيات الدينية والطائفية والعرقية والقومية – والتي لست بصدد التحدث عنها في هذا المقال – فكثير من اللذين تناولوا قضية التعصب الفكري رأوا أنه التشدد في تبني فكرة معينة وعدم تقبل الأفكار المخالفة والنقد الغير بناء لها بل ومحاولة تشويهها فكلٌ يرى الموضوع من زاويته في محاولة لتجاهل الطرف الآخر بل وإلغاءه بعيداً تماما عن الإنصاف والموضوعية.

التعصب الفكري يعد مخالفة لسنة الله في الكون وهي التنوع والاختلاف وخلل في الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.

إن انتشار ثقافة التعصب الفكري ورفض الآخر ما هي إلا نتاج للتعبئة الخاطئة من البيئة المحيطة فلا يجب أن نغفل عن دور الأسرة في التنشئة وبناء اللبنة الأولى في فكر الفرد وتشكيل مفاهيمه ، فتغذية الأفراد بمبدأ "من ليس معي فهو ضدي" يقود إلى نتيجة كارثية ويولد المزيد من التنافر وإشعال فتيل الفتنة بين أفراد المجتمع.

وإذا تأملنا في التاريخ نجد أن التعصب الفكري ظاهرة قديمة ولنا في النموذج الفرعوني مثل في تطبيقه لسياسة " ما أريكم إلا ما أرى " وهي تجسيد لذلك الفكر القمعي والاستبداد بالرأي الذي لا يقتصر فقط على سياسة الحكام مع الشعوب بل على طريقة تعامل الأفراد مع بعضهم بعضاً والتمسك بمبدأ أحادية الفكر وتهميش الآخر.

وهنا يأتي الحديث أيضاً عن ضعف الوازع الديني وغياب المرجعيات الشرعية – أتحدث عن المجتمعات الإسلامية على وجه الخصوص – فالمتأمل في الدين الإسلامي الحنيف يجد الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحارب التعصب والتطرف بكل أنواعه والانغلاق على الذات ويدعو إلى التعايش مع الآخر قال الله عز وجل.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) ، فالتعصب الفكري يعد مخالفة لسنة الله في الكون وهي التنوع والاختلاف وخلل في الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وهذا ما أدى إلى التشتت والتشرذم الذي أوصلنا إلى الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم والذي يشكل عائق أمام النهضة والتنمية والإبداع والتجديد.

التعصب الفكري ظاهرة قديمة، ولنا في النموذج الفرعوني مثل في تطبيقه لسياسة "ما أريكم إلا ما أرى "وهي تجسيد لذلك الفكر القمعي والاستبداد بالرأي.

ولكن كيف السبيل للخروج من هذه الدائرة المفرغة وكيف التحرر من تلك القيود التي كبلت العقل العربي وجعلته يتقوقع حول ذاته ويتعصب لفكرته بصورة تغيب الحقيقة وتبني حواجز عازلة تمنع التواصل الثقافي وبناء الحضارة الإنسانية على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب.

إذا لابد من عملية تصحيح فكري شامل ، حيث ينبغي على المجتمعات العربية والاسلامية مراجعة أيديولوجياتها الهشة التي تعتبر العامل الأول في رجعيتها وتخلفها عن ركب الحضارة ويجب إعادة صياغة وبلورة لفكر جديد يؤمن بالثراء والتنوع من خلال زيادة الخلفية المعرفية والانفتاح على الآخر وإيجاد نقاط التقاء وبناء جسور تواصل ونشر ثقافة الحوار والنقد البناء وذلك بالتجرد من التعصب الأعمى والنظر للأمور من منظور يتناسب مع مقتضيات العصر. إذا فالإصلاح الفكري هو الطريق للإصلاح الحضاري ولا شك أن ثقافة التعايش والفكر السليم من أهم الأسباب في نهضة الأمم وتقدمها، فهل آن لهذه الأمة أن تنهض..؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.