شعار قسم مدونات

ما لم تقُله عيناي

People walk past flowers and tributes left for the victims of the attack on London Bridge and Borough Market on a wet and windy morning in London, Britain, June 6, 2017. REUTERS/Marko Djurica
نظرات الريبة والتفتيشات المشددة شيئ تعودنا عليه كطلاب مسلمين أثناء دخولنا للقنصلية البريطانية طيلة أيام الامتحان، لكن هذا الشعور بالتمييز والرقابة الشديدة سرعان ما يختفي عند تجاوزك لمنطقة التفتيش.

فعندما تدخل للقاعة تأخذ نفساً وتجلس على أول كنبة التي غالباً ما تضم جنسيات مختلفة بينهم مسلمون. لكن هذا اليوم كان مختلفاً، أدركت ذلك عند أول وهلة دخلت فيها القاعة، الكل صوّب نظره نحوي لكني لم أبلي اهتماماً زائدا، في الحقيقة كنت أعرف أن طريقة لبسي متناسقة، وحجابي مثبت بطريقة جميلة.

لكني كدت أجزم ان تلك النظرات لم تكن بهذا المعنى، نظراتهم كانت مختلفة، تعبر عن غضب أو حقد  إن صح التعبير! بطريقة لا إرادية وقع نظري على شاشة التلفاز الذي يتوسط القاعة "هجوم مسلح في لندن "! كان ذلك أول ما وقع عليه نظري والمثير أن الجميع نظروا إلي لكي يرو تعابير وجهي عندما استوعب الخبر.

لغة العيون أبلغ من أن تقال، وعتابها أقسي من أن ينطق. لغة العيون بارعة في إحساسك بالذنب وإن كنت واثقاً من براءتك وتضرب إيمانك بوسواس. قرأت في عيون الجميع كل ما عجزت جميع الأبجديات عن وصفه من غضب وغل وعتب. قرأتها مقلةً مقلةً، واستمعت إليها حرفاً حرفاً ولم أقاطعها. ولكن بعد أن أفرغت ما بجوفها وألقت على كل حملها التفتت عيناي أيضا، كانت تصرخ وتضح بالحديث الكثير.
 

عيون القوم للأسف لم تر تلك الطفلة المحترقة بالكيماوي وتصرخ بشكل يلعن مصطلح الإنسانية، عيون القوم لم ترد أن ترى ذلك. أنا فقط من رأيت.

أردت أن أقول أنني لست منهم، هؤلاء لا ينتمون للإسلام بصلة، إن هذه لعبة قذرة يلعبها شياطين ونحن ندفع ثمنها. لكن عيناي لم تجد من يستمع إليها! كانت تلتهب ناراً لكن لم يطفئها أحد. ما أرادته عيناي أن تقولاه ولم تفعل، اضطرم كالنار في داخلي وأحرقتني أنا، لست أدرى إن أدركوا حريقي ولكني احترقت.

أمن العدل أن ننصت ونحسن الإنصات، أن نسمح للآخرين أن يطفئوا حريق لهيبهم بِنَا وينفثوا علينا رماد نارهم، وحين نحترق نحن فلا ماءٌ ولا رثاء؟
 

أسكن لهيب النار في صدري فاصل إعلاني التقط الوضع السوري والمأساة هناك. لكن عيون القوم لم تر ذلك المشهد، عيون القوم للأسف لم تر تلك الطفلة المحترقة بالكيماوي وتصرخ بشكل يلعن مصطلح الإنسانية، عيون القوم لم ترد أن ترى ذلك. أنا فقط من رأيت. لوهلة اضرمت نار الحقد في داخلي وتأججت. في تلك اللحظة لم أحترق فقط، بل تفتت وصرت بقايا رماد خرج على شكل أبيات.

مانشستر، وستمنستر وقبله سبتمبر

تشابهت الأسماء والإسلام متهمُ

إن أنّ في الشاطئ الغربي طفل
أو شكى ألما حُمّل قومي الوزر واتهموا

وحين يأخذ نفس الطوفان شارعنا
يكن لزاماً علينا وحق محكمُ

وحين يباد في الشام صغارنا وتجري
في ربا الأقصى دماؤنا فآذانكم صُم والفاه مبكمُ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.