شعار قسم مدونات

سلوكيات التخريب في المدرسة المغربية

blogs - students
تعددت الآراء واختلفت حول تحديد مفهوم الظاهرة التي تم تداولها من طرف "نشطاء الفايسبوك" على نطاق واسع في شريط فيديو، الظاهرة التي أتحدث عنها هي ما قام بها ثلة من الأشخاص المحسوبين على التلاميذ من تخريب لمؤسستهم، والسبب حسب من نشر الفيديو هو صعوبة الامتحان الجهوي لمادة الرياضيات وصرامة الحراسة، المكان هو ثانوية ابن هاني بفاس -المغرب اليوم الثاني من الامتحان الجهوي للبكالوريا بتاريخ 3 يونيو 2017.

فهناك من الأشخاص من أطلق على الظاهرة قلة التربية، وهناك من ألصقها بمفهوم فساد المنظومة، لكن المتتبع للشأن التربوي والمحلل لهذه الظاهرة سيربطها بالعنف المدرسي، وعلى عموم هو الأصح، وقد عادت هذه الاختلافات إلى اختلاف المدارس التي ينتمي إليها المحددون لهذه الظاهرة.

العنف المدرسي كظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا
إذا ما عدنا إلى ميدان التربية وتطرقنا إلى باب العنف المدرسي وأنواعه لوجدنا أن أحدها هو ما قام به تلاميذ المؤسسة بأثاث مدرستهم من تكسير للشبابيك والأبواب والمقاعد وسبورات الإعلانات وغيرها، وما مارسوه من عنف لفظي تجاه أساتذة الحراسة، الذين هم في الغالب مكلفين من مؤسسة أخرى.

السلوكيات التخريبية نتيجة حتمية لتظافر مجموعة من العوامل، ولسياسة تربوية وتعليمية متبعة والتي توصي بالتساهل والميوعة، ولو كانت الصرامة في الضبط لما وصلنا إلى هذا المستوى.

اتخذ مصطلح العنف أشكالا مختلفة ومظاهر عديدة معظمها اتفق عليها مجموعة من أدبيات، فنجد العنف الجسدي، العنف اللفظي، العنف الرمزي، العنف الفردي، العنف الجماعي… الخ. قبل أن ندخل صلب الموضوع وجب أولا التعريف بالعنف المدرسي كظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا.

يعرف " دوباكيي" العنف المدرسي على أنه انحطاط في المنظومة ومكوناتها التربوية ويحتوي على درجات تنطلق من عدم الحياء إلى القتل مرورا بالتخريب. وقد عرفه "آلان بووي" بكونه سلوكا أو تصرف يصدر من التلميذ داخل المدرسة سواء كان هذا السلوك جسميا او رمزيا، يهدف إلى الحاق الأذى والضرر بممتلكات المدرسة. كما يعرف "العريني" بكونه كل ما يصدر من التلاميذ من سلوك، أو فعل يتضمن إيذاء الآخرين، ويتمثل في الاعتداء بالضرب أو السب وإتلاف الممتلكات العامة أو الخاصة ويكون هدف الفعل هو تحقيق مصلحة.

وتشير الباحثة "فاطمة فوزي" إلى أن العنف المدرسي عبارة عن تعدي تلميذ او عدد من التلاميذ، على غيره من التلاميذ أو أحد العاملين بالمؤسسة بقول أو فعل أو سلب الممتلكات الشخصية. من خلال التعاريف السابقة الذكر يتضح لنا جليا ان ما فعله التلاميذ بمؤسسة ابن هاني ما هو إلا عنف مُورس على ممتلكات المؤسسة، وهو إحدى درجات العنف.

النظريات التربوية والعنف المدرسي
لنفسر هذه الظاهرة من الناحية البيولوجية، التي ترى أن العنف من طبيعة الإنسان، وهو تعبير طبيعيي عن عدد من الغرائز العدوانية المكبوتة لديه، وإن التعبير عن العنف لازم لاستمرار المجتمع الإنساني، أما من الناحية الاجتماعية فالاتجاه نحو العنف والسلوكيات الإجرامية بصفة عامة تعود إلى عوامل اكتسبها هذا التلميذ من مجتمعه، وهناك مجموعة من النظريات تفسر ذلك ومن بينها نظرية السيسيولوجي "ادن سدرلاند" الذي يعتبر أن السلوك الإجرامي هو سلوك مُتَعلم يتعلمه الفرد من المحيط الاجتماعي.

وربما كان "سدرلاند" على حق بحكم بأن الحي الذي يجاور مؤسسة ابن هاني تنتشر فيه السلوكيات الإجرامية وبالتالي فالمتعلم بالمؤسسة متشبع بهذه السلوكيات، إلا أنني شيء ما لا اتفق معه، فنظريته لا تصلح لتفسير الجريمة التي قام بها هؤلاء المجرمين أو بالأحرى التلاميذ رغم أن هذا المصطلح لا يليق بهم، فعامل الامتحان وصرامة الحراسة أدى إلى الانفعال وبالتالي لا علاقة للمحيط بالعمل الذي قام به التلاميذ.

ننتقل إلى تفسير أخر ألا وهو التفكك الاجتماعي، وهو مصطلح شاع استخدامه في كتابات علماء الاجتماع فهو بالنسبة لهم سبب رئيسي للسلوك الإجرامي، الذي يرتبط في جدوره بالتنظيم الاجتماعي؛ وكما يرى باحثون في هذا الميدان أن عوامل التغيير السكاني والظروف السكنية والفقر والمرض والجرائم والاضطرابات العقلية، كل هذه العوامل ترتبط عالميا بالجريمة، وهذه العوامل كلها ماهي إلا مظاهر لعامل أساسي عام هو التفكك الاجتماعي أو قصور المجتمع المحلي لمواجهة هذه المشكلات، لكن بحكم اختلاف مستوى عيش وبحكم اختلاف مكان عيش التلاميذ الذين خربوا ممتلكات المؤسسة ومارسوا عنفا لفظيا على أساتذتهم، لا أظن أن التفسير بعامل التفكك الاجتماعي هو أمر يطبق على الجميع وبالتالي نتخطى هذا التفسير، ونمر إلى تفسير آخر.

"ألبرت باندورا" ومن منا لا يعرف هذا الشخص، هو أحد مؤسسي علم الاجتماع، واحد من الأشخاص الذين تحدثوا في سلوكيات العنف وعلاقته بالتعلم، أكد "باندورا" في نظريته المعروفة بـ" نظرية التعلم الاجتماعي" على أهمية التفاعل الاجتماعي في عملية التعلم، حيث يرى في نظريته على أن العنف سلوك مُتَعلم من المجتمع، أي أن هناك علاقة تفاعل وتأثير بين الفرد والمجتمع، حيث يقوم الفرد بتعلم العنف أو سلوك العنف كأي نوع من السلوك الآخر، وبالتالي يمكن القول أن مصدر العنف الذي مارسه التلاميذ على مؤسساتهم هو راجع بالأساس إلى التنشئة الاجتماعية المتسلطة ومشاهدة المتعلمين للأفلام التي تُعْرف بقصص العنف التي تؤثر فيهم عن طريق التقليد والمحاكاة، لكن بحكم اختلاف التنشئة، لا يمكن أن نطبق النظرية على جميع تلاميذ مؤسسة ابي هاني.
 
العنف المدرسي تحصيل حاصل…

المؤسسات التعليمية تحولت إلى حلبات للصراع وفضاءات للانحلال الأخلاقي بعدما تم سحب البساط من تحت قدمي الأستاذ الذي أصبح فقط متفرجا لا يملك القدرة على التدخل.

خلاصة القول والتي لا يمكن أن يكون فيها مجال للشك، هو أن هذه السلوكيات نتيجة حتمية لتظافر مجموعة من العوامل السابقة الذكر، ولسياسة تربوية وتعليمية متبعة والتي توصي بالتساهل والميوعة، وأقول لو كانت الصرامة في الضبط لما وصلنا إلى هذا المستوى، والقادم أسوأ، وما هذا إلا دليل على سوء التربية ولا مبالاة الآباء والأمهات، الذين يتركون أبنائهم طول السنة يتسكعون، عوض تحسيسهم بواجبهم الدراسي، و ماذا تنتظر من مثل هؤلاء.

ولكن من المؤكد أنه تحصيل حاصل، فعندما يتخلى الأبوين عن الصرامة اللازمة في التربية ويتم تقزيم دور الأستاذ داخل القسم، وعندما يصبح التلميذ زبون لدى الأستاذ و تصبح العلاقة بينهما تخضع لقانون العرض والطلب، تصبح الغاية هي التي تبرر الوسيلة، بحيث تكون النتيجة كما يعلم الجميع، تلميذ فاشل ومواطن غير صالح، لا يحترم جميع المؤسسات سواء الأسرة أو المدرسة أو المجتمع…؛ أظن أن الإصلاح الرئيسي يجب أن ينطلق من الأسرة وأن التربية هي الأساس أما التعليم فيأتي بعد التربية.

طبعا هذا غيض من فيض وما خفي كان أعظم المؤسسات التعليمية تحولت إلى حلبات للصراع وفضاءات للانحلال الأخلاقي بعدما تم سحب البساط من تحت قدمي الأستاذ الذي أصبح فقط متفرجا لا يملك القدرة على التدخل في غياب الحماية الفعلية وتراجع قيمته داخل المجتمع بفعل الإجراءات التي لحقت المنظومة.
إن ما فعله رئيس أكاديمية فاس مكناس حين تقدم بشكاية للنيابة العامة التي باشرت عملها في اعتقال هؤلاء التلاميذ، ومعاذ الله أن يكونوا تلاميذ، المتورطين في هذه المهزلة هو عين الصواب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.