شعار قسم مدونات

دراما رمضان بين الرتابة والتسييس

blogs - الدراما العربية
مع كل موسم رمضاني جديد، يبدأ مهرجان المسلسلات التي تتهافت على عرضها الفضائيات العربية، وككل مرة لا تخرج هذه الأعمال عن رتابتها المعتادة، قتل ودعارة وخيانة ومال بطعم السياسة، وبعض المواضيع المكررة التي تحمل كمية من التفاهة والخيال. إذ تصور عالمنا العربي إما كونه جنة الله فوق الأرض، أو عكس ذلك تماما جحيما يسوده الظلام، وفي الحقيقة هو نفس الانفصام الذي يعيشه المواطن العربي.

هكذا يتكرر المشهد كل عام، حيث يجد المشاهد نفسه في وضع معقد جدا أمام آلة ميكانيكية من المسلسلات تضعه داخل دوامة الرتابة، ناهيك عن تسييس أغلب الأعمال تسييسا مصطنعا أو مفتعلا لا يشبه أي محاولة حقيقية لرؤية الواقع، كما لا تتناول أي محاولة لتسليط الضوء على قضايا أهم من العلاقات العاطفية والغرامية المثالية التي لا تشبه هي الأخرى الواقع.

كمشاهدة أقولها بصراحة، فجميع القنوات أصبحت تقدم نفس المسلسلات لكن بأسماء مختلفة لا هدف لها إلا إثارة وجذب المشاهدين والشركات الرأسمالية لتقدم إعلاناتها الخادعة.

 في الوقت الذي يجسد فيه الممثل لقاء الحبيبة في جو رومانسي على أرض خضراء تتوسطها الشموع هناك في الواقع من إضطرا لفراق أحبائه إما غرقا في البحر أو تهجيرا من وطن أو موتا برصاصة طائشة. إن الاعتراف بكرامة المشاهد العربي، تستلزم منا نقد وإدانة كل المسلسلات التي لا تتطابق لا مع الضمير الفني ولا الإنساني عموما.

قد أخطئ التفسير لكن الواقع أن هذه الأعمال أحدثت سخطا كبيرا لدى العقلاء من المجتمع سواء ما تضمنته من تجاوزات أو ما أحدثته من مشكلات لفظية وأخلاقية وسلوكية تتنافى مع ظرفية رمضان. لقد ضغطت على نفسي كثيرا لأتحمل مشاهدة عدة مسلسلات منذ بداية رمضان كي أستطيع الحكم عليها بمصداقيتها، حلقة وراء حلقة، بدأ ينفذ مدخري من الصبر، واليوم لم أستطع إكمالها!

كنت أريد فقط أن أفهم ما يريدون إيصاله لنا بالضبط، ما علاقة المسلسل بالمجتمع؟ كيف ينصر الظالم على المظلوم؟ كيف يزعم فضح الإرهاب وهو يتغاضى عن أصل الإرهاب بل ويقدمه على أساس البطل المنقذ المنتظر؟ ما هذا الكم الهائل من الرقص والخمر والإباحية والضحك على عقول الناس من قنوات تدعي الكمال والدفاع عن المعتقدات.

لأستنتج في الأخير أن أفضل وسيلة للقضاء على أمة بأكملها وجلدها ثقافيا وتسويقها في أسوء الصور هي الدراما التلفزيونية. كما جعلتني هذه المتابعة أتساءل عن أسباب تغييب المسلسلات التاريخية والدينية القيمة التي تتناسب مع أجواء الصيام.

أعمال تحارب التطرف وتظهر للعالم الإسلام الحق العادل بعيدا عن كل المهاترات السياسية، أعمال تكسر نمطية الصورة القاتمة للعالم الإسلامي والعربي، هذا هو دور الدراما العربية اليوم وفي هذه الفترة الحرجة بالضبط التي نعيشها منذ سنوات، عليها البحث عن سبل وأعمال تجمعنا بدل أن تزيد الطين بله وتشعل الفتن بدل إخمادها.

ما علاقة المسلسل بالمجتمع؟ كيف ينصر الظالم على المظلوم؟ كيف يزعم فضح الإرهاب وهو يتغاضى عن أصل الإرهاب بل ويقدمه على أساس البطل المنقذ المنتظر؟

إننا لسنا ضد تقديم أعمال في شهر رمضان ولكننا مع أن تكون هذه الأعمال هادفة راقية سواء من ناحية التأليف والأفكار قادرة بالفعل على المساهمة في حل مشاكل الوطن العربي الغارق في وحل الحروب الطائفية والشتات والجوع والفقر، مع ذلك لا يمكننا أن ننكر وجود بعض الأعمال القليلة جدا التي يمكن أن نقول عنها الوجه المشرق للدراما العربية على الأقل في جانبها الموضوعي.

لست ناقدة أو أدعي المعرفة في السينما والتلفزيون إلا أنني كمشاهدة أقولها بصراحة، فجميع القنوات أصبحت تقدم نفس المسلسلات لكن بأسماء مختلفة لا هدف لها إلا إثارة وجذب المشاهدين والشركات الرأسمالية لتقدم إعلاناتها الخادعة التي تقدم للجمهور أكثر من المسلسل نفسه بحثا عن الأرباح لا المضمون لنجد أنفسنا مضطرين للبحث عن قضايانا وذواتنا في قنوات لا تنطق لغة الضاد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.