شعار قسم مدونات

حين يأتي الشفاء دون دواء!

blogs الصيام

كثيراً ما يبحث الإنسان عن سعادته وهي بين يديه، وكثيراً ما يشد الرحال ويطوي المسافات مبعثراً بين المدن سعياً خلف مجده أو قدره ليكتشف في نهاية المطاف أن ما يبحث عنه موجود في مدينته الأولى! يظل البحث عن الشفاء مطلب المرضى الأول والذي بوسعهم أن يبذلوا كل غالٍ ونفيس من أجله فهو علي الدوام ذلك التاج الذي يكلل رؤوس الأصِحَّاء حقاً وصدقاً، ولكن؛ هل خطر ببال مريض عانى الألم وتنقل بين أصناف الأدوية مقيماً عليها ردحاً من الزمن أن شفائه بين يديه؟ وهل تذكر من أنهكه المرض ذلك السبب المنسي للشفاء الذي لا يكلف درهماً ولا ديناراً، إنه الصوم ولا ريب في ذلك – (الصوم الحقيقي) الذي لا يبلغ فيه منتهى الامتناع عن الأكل والشرب فقط أثناء ساعات النهار لتتحول وردية النهم والفجع إلى الليل وحتى الصباح فذلك (الصوم الممرض) بالتأكيد. 

إن ارتباط الصحة بالصيام أمر أثبتته كثير من الدراسات العلمية وأكدته أبحاث عديدة تناولت السلوك الغذائي للإنسان ومدى علاقته بكثير من الأمراض والتي خلص الباحثون إلى أنها مرتبطة بأنماط غذائية غير صحية أصبحت هي السائدة بتطور العصر وتغول نسق الحياة الحديثة بآثاره الوخيمة على سلوك الناس في طعامهم وشرابهم ونومهم وراحتهم، كما أثبتت هذه الدراسات أن إتِّباع حميات غذائية معينة له دور كبير في علاج أو المساعدة في علاج كثير من الأمراض.

بطبيعة الحال يتناول كثيرون منا عدداً من الأدوية لعلاج أمراض متعلقة بالبطن بصورة مباشرة مثل المغص والانتفاخ وزيادة الحموضة وعسر الهضم والقولون العصبي وغيرها، وكذلك يتداوى البعض من أمراض أخرى مرتبطة بشكل أو بآخر بنظام الحياة والعادات الغذائية للفرد مثل ارتفاع الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم والسكري وغيرها ويستمر تناول هذه الأدوية لفترات طويلة جداً قد تصل إلى سنوات إذ تتحسن حالات الأغلبية منهم فقط أثناء تناولهم الدواء وتعود كما كانت بمجرد التوقف عن الدواء.

 

كثير من الأمراض يتسبب فيها في المقام الأول نوع الطعام والسلوك الغذائي للفرد. إن كثير من هذه الأمراض يمكن أن يتم علاجها دون استعمال أي دواء ويكفي لعلاجها إتباع نظام غذائي صحي بإشراف الأطباء والمختصين

مع العلم أن بعض الدراسات الغير رسمية تفيد بأن أغلب الذين يستخدمون مثل هذه الأدوية يستخدمونها دون استشارة طبيب وأن استخدامهم لهذه الأدوية يكون بناءً على توصية من صديق أو قريب يعاني نفس الأعراض وكُتبت له تلك الأصناف من قِبل طبيب مختص أو من واقع مشاهدة بعض الإعلانات التلفزيونية أو بناء على اللجوء المباشر للصيدلية، هذا النوع من المرضى وعند دخول شهر رمضان وبدءهم الصيام يلاحظ أغلبهم أن حالاتهم المرضية التي يعانون منها قد تحسنت بصورة كبيرة جداً بل إن بعضهم يستغنى عن الدواء تماماً في هذه الفترة الشيء الذي يتطلب منهم وقفة عند مفهوم معين عليهم التنبه له وعلينا جميعاً التعامل معه باهتمام قبل لجوئنا لاستعمال أي دواء، هذا المفهوم هو: "المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء".

فكثير من الأمراض يتسبب فيها في المقام الأول نوع الطعام والسلوك الغذائي للفرد.  إن كثير من هذه الأمراض يمكن أن يتم علاجها دون استعمال أي دواء ويكفي لعلاجها إتباع نظام غذائي صحي بإشراف الأطباء والمختصين في هذا المجال ويُثبت ذلك آلاف الحالات التي كانت الحمية الغذائية هي العلامة الفارقة والسبب المباشر للشفاء بالإضافة إلى حالات كثيرة أخرى كانت فيها الحمية عاملاً شديد الأهمية في اكتمال العلاج، ومما لا شك فيه أن هذا المفهوم ينبغي أن يكون مدخلاً للوقاية من أمراض يمكن أن تحدث للكثيرين بسبب سلوكهم الغذائي.

لنستصحب معنا ضمن نفحات هذا الشهر العظيم قول الرسول الكريم: ((ما ملأ ابن آدم وعاءً شر من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه))، هي دعوة لكل الذين يعانون من بعض ما ذكرنا من أمراض – أولئك المستمرون في استخدام تلك الأدوية على مدى السنوات – أن يراجعوا برنامجهم العلاجي بالكامل مع أطبائهم المختصين طالما كان الصيام سبباً في تحسن حالاتهم فلربما كان إتِّباع نظام غذائي محدد سبباً في شفائهم بدلاً عن الأدوية. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.