شعار قسم مدونات

برنامج الصدمة والضحك على اللحي

blogs - الصدمة
كثيرة هي الانتقادات التي وجهت إلى برنامج الصدمة من السخافة والمتاجرة بآلام المكسورين وغيرها، في اعتقادي أن كادر البرنامج والقائمين عليه أخطأوا بشكل كبير في معظم الحلقات عند انتقاء المادة الإعلامية واختيار المكان المناسب لها، فبدل أن يقوموا بالتصوير في الأماكن الشعبية وبين الناس البسطاء ويستفزوا مشاعرهم؛ لماذا لم يقلبوا اتجاه البوصلة إلى أروقة الوزارات والمؤسسات الحكومية التي تعج بالمسؤولين وصناع القرار في الدولة امتدادا إلى الأحياء ذات البيوت الفاخرة والسيارات الفارهة.
لماذا تستفز مشاعر الناس البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة، بينما لا نرى ذلك على أصحاب القرار في الدولة والذين هم أولى بحمل هذا الشعور لما يترتب عليهم من مسؤولية وواجبات تجاه أبناء بلدهم. لقد أصبح المواطن العربي يتمنى أن يرى الصدمة تتزين على وجه مسؤول بلاده تجاه ما يعيشه من مآسي وصدمات بدل أن يراها على وجه من يقاسمونه همومه وأوجاعه، فبدل أن تصور الحلقة في المطاعم الشعبية لماذا لا يتم تصويرها في المطاعم التي تزدهر بالأثرياء وأبناء النبلاء والتي تكلفة الوجبة الواحدة فيها تساوي ثمن طعام يكفي عدة عوائل محتاجة، وهل كان شعور أحد الجالسين في هذه المطاعم الباهظة سيهتز لرؤية صاحب المطعم وهو يطرد إحدى العوائل العفيفة! أم أنه لن يرغب في وجودهم ورؤيتهم باعتبارهم ليسوا من منزلته وهو الذي جاء إلى مطعم 5 نجوم لكي يهنأ بطعامه!

هل كان الطفل المشرد ذو الثياب الممزقة والذي أتى إلى الناس في الشارع يطلب معطفا يحتمي به من البرد سيلقى نفس التعامل من ابن أحد الأثرياء في حيّه الفاخر؟! وهل كان سيعطيه جاكيته ذو الـ 6 آلاف دولار ليحتمي به من البرد؟! أم أن الطفل (كله على بعضه) لا يساوي زرا في الجاكيت.

الشعور الإنساني لدى صنّاع البرنامج كان من نصيب القضية السورية، حيث وصل الأمر إلى استغلالها لإشباع نقص الأخلاق واستعراض الكرم أمام اللاجئين والذي تسبب في صدمة و جرح لدى السوريين.

لماذا يتم تصوير أحد الرجال الفقراء وهو يسرق من أحد المحال لرصد ردة فعل الناس بدل أن يتم الدخول إلى منازل الفقراء والمهجرين من الدول الأخرى والتي يقع قسم منها في مناطق لا تصلح للعيش البشري، ويتم توثيق المعاناة التي يعيشونها وعرضها على المسؤولين والتي هي كفيلة بأن تصدم جيلا بأكمله.

وبدل تطبيق التجارب الاجتماعية على الضعفاء لماذا لا يتم أخذ أبناء المسؤولين وأصحاب النفوذ في تجربة اجتماعية ليقفوا على طابور الوظائف الذي يعد هاجسا وبؤسا للشباب العربي بكل تفاصيله ويعيشوا معاناة الشاب العربي في حربه لتأمين قوت يومه والتي تنتهي عند البعض في الانحراف إلى المخدرات والرذيلة، وذلك لأنه لا يجد ما يسد رمق عائلته، بدل أن أحدهم مؤمن في وظيفته وحياته منذ أن كان في بطن أمه.. بل لربما يبقى السؤال الأهم هل شاهدنا إلى الآن أحد المسؤولين يخرج على شاشة التلفاز ويعترف بالتقصير، وأنه أحس بالذنب والصدمة تجاه أبناء بلده لما شاهده في هذا البرنامج الذي يعنى بالشعور الإنساني؟!

أم أن الشعور الإنساني لدى صنّاع البرنامج كان من نصيب القضية السورية والتي تعتبر الآن مادة دسمة في الساحة الدولية، حيث وصل الأمر لديهم إلى استغلالها لإشباع نقص الأخلاق واستعراض الكرم أمام اللاجئين والذي تسبب في صدمة و جرح لدى جميع السوريين الذين وجدوا أنفسهم سلعة رخيصة في البرنامج لتسويقه وجلب المشاهدات من خلال إظهار الشفقة عليهم وهم الذين كانوا لعقود من الزمن حاضنا للاجئين من مختلف الدول!

الصدمة الكبرى التي يعيشها المواطن العربي اليوم هي في تهرب وسائل الإعلام ومن خلفهم من المشكلة الحقيقية التي تعانيها الشعوب والتي وصلت به إلى حد الانهيار.

وعلى الصعيد الشخصي أعيش في الأردن منذ 5 سنوات ولم أجد لليوم إهانة أو تشاؤما من أي أحد، وإن كان حصل هذا على وسائل التواصل الاجتماعي فإنه لا يعتبر مقياسا إلى الواقع وإلى حالات فردية لدى البعض تكاد نسبها تكون ضئيلة.

إن الصدمة الكبرى التي يعيشها المواطن العربي اليوم هي في تهرب وسائل الإعلام ومن خلفهم من المشكلة الحقيقية التي تعانيها الشعوب والتي وصلت به إلى حد الانهيار، فبدل أن تسعى هذه الوسائل إلى توثيق المشكلات وإيجاد الحلول الجذرية لها، ما زال الكثير منها يعنى بصناعة برامج ومسلسلات لم تبع لنا إلا الوهم والخرافات والتي ساهمت في مضاعفة الصدمة وزرعها في النفوس حتى لو كان هنالك تجارب تمثيلية هدفها التغيير، وهي أشبه بالضحك على اللحي في برنامج يقال له الصدمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.