شعار قسم مدونات

نسخة خاصة من القرآن

A Nepalese Muslim man reads the Koran during the Muslim holy fasting month of Ramadan at a mosque in Kathmandu July 11, 2014. REUTERS/Navesh Chitrakar (NEPAL - Tags: RELIGION)

عندما كنا صغاراً تعلقنا بنسخة معينة من القرآن، ربما كانت أول نسخة اشتريناها من مصروفنا المدرسي، حقاً لقد كان شعوراً حميمياً لا يوصف، لكنني بالقطع لا أعني ذلك بعنوان مقالتي، فهناك نسخة خاصة بك أنت وتختلف اختلافاً كثيرا عن النسخ الأخرى. حسنا، نسختك المميزة من القرآن ستحتوي بالقطع على نسخة ورقية أو أكثر، تناسب طريقة قراءتك وربما حفظك لبعض الأجزاء، اهتماماتك العلمية من تفسير أو تجويد أو أحكام.

أضف إليها، بدون أن تكتب عليها، شريط ذكرياتك مع هذا الكتاب الفريد، أول مرة تُكمل قراءته، أخطاءك الساذجة في القراءة والفهم عندما كنت صغيراً، المرات التي اكتشفت تلك الأخطاء، الكلمات التي استعصت عليك قراءة أو فهماً، المعاناة التي وجدتها آنذاك لإكمال قراءة السور الطويلة، إلى آخر شريط الذكريات الذي لا ينتهي أبداً حيث ستكتشف وقد خط الشيب عارضيك أن هناك من تلك الأخطاء ما يخبرك بأنك لا زلت صغيراً أمام عظمة هذا الكتاب، حتى لو كنت ممن منّ الله عليهم بإتقانه قراءةً أو حفظاً ففي معانيه ما لا تنقضي عنده العجائب.

نسختك الخاصة من القرآن ستحتوي على محاولاتك أو محاولات غيرك إسقاط بعض الآيات على الواقع، قد تكون محاولات ناجحة موفقة وقد لا تكون، الأهم أن لا تعتقد بأنك وحدك من يفهم وأن غيرك لا يفهم.

لا تقلل من شأن تلك الذكريات، فهناك من حُرِم من مجرد إكمال قراءته، وهناك من لا يجد الرغبة في ذلك، وهناك من لا يستذكر تلك الذكريات لأنه ببساطة لم يحتفظ بها في ألبوم الذكريات الخاصة، بينما يختلف الأمر في سجل حياتك الذي سيُعرَض يوم الدّين، حيث سيضم كلّ تلك المحاولات والتعتعة في القراءة والتلكؤ في إكمال السور، وسيكون يومها مصحوباً بالامتنان والجزاء الوفير.

نسختك المميزة من القرآن ستضم محاولاتك الناجحة والفاشلة في فهم سر الترابط بين مواضيع السور والترابط بين مواضيع الآيات في نفس السورة، وقد تكتشف أو لا تكتشف، أنها مرتبة بحسب سياق الحياة لا بحسب المواضيع، فالحياة ذات سياقات متنوعة، وكذلك القرآن لأنه كتاب حياة وليس حشداً نظرياً للمعلومات، عندها قد تفهم سر ترتيب الآيات في سورة عظيمة مثل سورة البقرة مثلا.

نسختك المميزة من القرآن ستحتوي محاولاتك البحث عن الفرق بين السور المكية والمدنية، محاولات فهم سر ترتيب نزول السور، علامات الترقيم وتقسيم الأجزاء، علامات التجويد ومواضع السجود وأنواع الخطوط والطبعات، الزخارف والنقوش في غلافه وبين صفحاته، ربما وجدت بغيتك في كتب علوم القرآن أو سألت ذوي الاختصاص، لكن بحثك عن ذلك إضافة إلى نسختك الخاصة بك ومميزة عن نسخ غيرك.

نسختك المميزة يجب أن تحتوي على فهمك الخاص للقصص القرآني عن حياة الأمم السابقة وعن الأنبياء، وعن سر التكرار ودرجة الاختلاف في القصة الواحدة بين السور المختلفة، و محاولاتك الخاصة لفهم الإسهاب في قصة معينة كقصة موسى وفرعون، والاختصار في قصص أخرى كقصة ذي القرنين أو غيرها.

لا تنس وأنت تقرأ القرآن العربي أن تستحضر قواعد النحو ووجوه البلاغة ومعاني كلمات العربية، فلن تجد على وجه الأرض ما يمكن أن ينمي ثروتك اللغوية وينعش خيالك مثل هذا الكتاب.

نسختك الخاصة من القرآن ستحتوي على محاولاتك أو محاولات غيرك إسقاط بعض الآيات على الواقع، قد تكون محاولات ناجحة موفقة وقد لا تكون، الأهم أن لا تعتقد بأنك وحدك من يفهم وأن غيرك لا يفهم، أو تحاول أن تُلزِم غيرك بهذا الفهم أو تحجُر على الآخرين أفكارهم، والأهم أيضاً أن يكون قلبك منفتحاً لتقبل الحق حال معرفته، سيُقال لك، أن لا تحاول أن تقول في القرآن بلا علم وأنك يجب أن تتبع أهل الاختصاص، ابتسم لهم، فهم على جزء من الحق، لكن لا تنس أن هذه نسختك الخاصة من القرآن وأن الله قد يسره للذكر، وأنه من البلاغة بمكان بحيث لا يحتاج للوسطاء، هذه نسختك أنت، وهذه لغة المناجاة بينك وبين قائل هذه الآيات، عزّ وجلّ، فلا تدَع أحداً يتحدث بدلاً عنك، فتلك مسئوليتك وستحاسَب عليها وحدك يوماً ما وإن لم تكن تملك وسائل الفهم فاسعى لتحصل عليها بنفسك.

بالطبع يجب أن تحتوي نسختك على قائمة التعاليم والمهام التي ستلتزم بها، استجابةً لهدْي كتاب الهداية، فلا معنى للعلم بلا عمل، وهي قائمة تتغير باستمرار بحسب تغير ظروف حياتك، فما لا يعنيك يوماً قد يعنيك في آخر، لذلك لا يبلَى القرآن على كثرة الترديد ولا يشبع منه العلماء ولا تنقضي عجائبه، ويناسب بألفاظه المعجزة كل الأزمان .

ستحتوي نسختك أيضاً، على بعض مواطن العشق لبعض الآيات والسور التي ارتبطت بفهم معين أو ذكرى معينة مثل هود وأخواتها التي شيبت نبي الرحمة أو الزهراوين العظيمتين أو آيات ابكت رسول الله أو آيات أبكتك انت شخصياً أو رقة سورة الضحى أو غير ذلك، ستقرأها في سياقها، ولكن لا بأس أن تروي غلة عشقك لها ببعض الزيارات الخاصة لها والوقوف عليها وتكرارها والغوص في لجة معانيها، وستجدها بنفس الحُسن والجمال منذ تركتها آخر مرة بل وأكثر وستجدها تشتاق لك كما تشتاق لها وتعاتبك على الهجران إن كان ثمة هجران.

هذه النسخة من القرآن ستكون سجل حياتك وكل ما يتبقى لك في خريف العمر وستكون وثيقة عبورك الخاصة بعد انقضاء العمر، فقط لا تنسَ، هذه نسختك أنت، تخيّل أنه مكتوب على غلافها، هذه رسالة الله، جل شأنه، إليك أنت شخصياً يا فلان ابن فلان.

لا تنس وأنت تقرأ القرآن العربي أن تستحضر قواعد النحو ووجوه البلاغة ومعاني كلمات العربية، فلن تجد على وجه الأرض ما يمكن أن ينمي ثروتك اللغوية وينعش خيالك مثل هذا الكتاب، وستجد في كتب التفسير العديد من الشواهد وأبيات الشعر ما يجعل من قراءتك للقرآن والبحث عن معانيه أكثر من مجرد تفسير للمعاني بما يجعلك تطّلع على الكثير من أدب العرب وحكمتهم اللغوية.

أضف إلى ما سبق من الإضافات الفكرية، وغيرها، القليل من الذاكرة الصوتية لقراء تحبهم يقرأون القرآن عذباً نديّاً، وحبذا لو قراءتك الخاصة وأسلوبك المميز في التلاوة، وناج بها ربك على انفراد في مواضع عدة بلا وسطاء .أيضا أضف القليل من ذاكرة الملمس لمصحفك المفضل أو مصحف العائلة القديم الذي لمسه اباؤك وأجدادك من قبل، أستنشق عبيره الخاص الممزوج برائحة الورق المميزة وربما استحضرت الدموع التي تساقطت عليه ممن قرأه قبلك، ومرر يدك على كتابة كتبتَها أنت من قبل، أو كتبها من قبلك على ذات المصحف، لتنتعش حواسك الخمس إضافة إلى عقلك وخيالك بهذه النسخة الفريدة من القرآن.

قلتُ لك، ستكون نسختك المميزة التي لا يمتلكها غيرك، فإن لم تكن قد امتلكت واحدةً فهلمّ، فلا يزال في الوقت متّسع، وإن كان لك واحدة فتعهّدها بالرعاية، وحافظ عليها وأضف عليها لمساتك الخاصة التي تزيد بمرور الزمن كالجواهر النفسية التي يزيدها العمر جمالاً، لا تتوقف عن محاولات التفكير والتساؤل والربط والإسقاط على الواقع، ولا تتوقف عن النظر في مصحفك، ولا تستعجل شريط الذكريات معه، فهذه النسخة ستكون سجل حياتك وكل ما يتبقى لك في خريف العمر وستكون وثيقة عبورك الخاصة بعد انقضاء العمر، فقط لا تنسَ، هذه نسختك أنت، تخيّل أنه مكتوب على غلافها، هذه رسالة الله، جل شأنه، إليك أنت شخصياً يا فلان ابن فلان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.