شعار قسم مدونات

الظاهرة العدنانية

blogs عدنان ابراهيم

الجميع يعرف الضجة التي أثارها ولازال يثيرها المفكر والداعية عدنان إبراهيم، والتي صدمت المجتمع الإسلامي وخلقت زوبعة من ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض كل حسب ميولاته الإيديولوجية والطائفية ومشاربه الفكرية .والحال أن عدنان إبراهيم ليس إلا استمرارية لجملة من الوجوه الفكرية والدينية المثيرة للجدل في عالمنا العربي، والتي شكلت اختبارات حقيقية للثقافة العربية في مدى قدرتها على تقبل الآخر وتجدر فعل التواصل والحوار في بنياتها.

إن أفكار عدنان إبراهيم يمكن اعتبارها ظاهرة فريدة، نظرا للطريقة التي يتم من خلالها تناول القضايا والأحداث في أسلوب خطابي يجمع بين الخطابين العقلاني والديني في محاولة لتكسير أسطورة تعارض العقل والنقل .ومن القضايا التي أثارت زوبعة من الانتقادات والتي مست شخص عدنان إبراهيم، نجد مثلا اتهامه على النبش في العديد من القضايا المتعلقة بالتراث الإسلامي، بالإضافة إلى تشكيكه في العديد من الأحاديث والمسلمات الفقهية، وكذا تناوله للصحابة عن طريق محاكمتهم تاريخيا. وقد جنت عليه هذه الملفات وابلا من الاتهامات تتوزع بين الكفر والهرطقة والعمالة للغرب، وتارة بين الانتساب للتشيع والطعن في المقدسات.

وقد انبرى لهذه الاتهامات جملة من الوجوه الدينية، الذين كثيرا ما انتدبوا أنفسهم للدفاع عن عقائد الآخرين من الضلالة والهرطقة، والوقوف وراء كل رأي جديد يخالف موروتاثهم ومسلماتهم، نظرا للمكانة التي يتوهمون احتلالها داخل المجتمع والتي فرضت عليهم التصدي لكل الآراء التي تزرع بدور الشك والزندقة في الكثير من النفوس متخذين في ذلك شتى الطرق، أبرزها كما هو مشاع التآمر على الإسلام.

أهم درس تعلمنا إياه الظاهرة العدنانية هي أن نتجرأ على استعمال عقولنا في شتى المسائل ولا نترك الآخرين يفكرون مكاننا، ذلك أن فعل التسليم بكل القضايا لا يولد إلا تدينا أعمى ذا بعد طقوسي وظاهري لا يولد إلى التعصب والتطرف.

والحال أن الظاهرة العدنانية تريد أن تفهمنا العديد من الأشياء:
أولها: أن النبش في التراث ليس ترفا فكريا، وإنما ضرورة حتمية حتى يتسنى لنا فهم حاضرنا، لأن مشكلاتنا اليوم من احتقان طائفي واستبداد سياسي لها ارتباط وثيق بماضينا. لذلك وجب النبش في هذا التراث وقراءته قراءة موضوعية بعيدا عن التعصب الأعمى والقداسة المفرطة. كما تريد أن تفهمنا الظاهرة العدنانية بضرورة تقديم الإسلام بالوجه الذي يليق به من العصر الذي نحن فيه، وذلك لجملة من الأسباب والاعتبارات المتداخلة؛ أهمها التخلف الذي نعيشه في شتى المجالات والتطور الواسع الذي تشهده الحضارة الغربية، ولدى كان من الضروري التسلح بالعدة المعرفية والعلمية لتسويق الإسلام حتى يتسنى لنا إقناع الأخرين به، وأن نبين لهم أنه لا يتعارض بتاتا مع قيم الديموقراطية والحريات الفردية والعقلانية.

ثانيا: تريد أن تعلمنا الظاهرة العدنانية أن أسطورة تعارض العقل والنقل لا توجد إلا في أدمغة البعض، وأن طرائق الوصول إلى الحقيقة ليس واحدا، وإنما لها طرق لا حد لها لأن الأفهام البشرية تتفاوت والأزمنة تتغير، وأن عالمنا هذا لا مكان فيه لمن يريد أن يخلد ليقينيات الماضي ومطلقاته والتشبث بذيوله تحت مبدأ امتلاك الحقيقة والتفرد بها. كما وجب على المسلم أن يسلم بالحق إن وجده عند غيره ولا يضره في ذلك أي شيء.

والظاهرة العدنانية تريد أن تقدم للناس صورة مغايرة عن رجل الدين الذي كثيرا ما تم ربطه بشتى مظاهر التعصب والتشدد، على مستوى الفكر، وبالقداسة والوقار على مستوى المظهر، وتريد كذلك أن تكسر تلك الصورة المشوهة عن الله، والتي رسمها العديد من المشايخ والدعاة في أدمغة البعض، إذ أضحى الكثير منهم يحصر الله في أفق ديق ويصوره على أنه متعصب لطائفة معينة ويريد أن يفرض على الناس الإيمان به عن طريق الإكراه والقوة، وعلى أن الاسلام جاء من كبت قمع الإنسان ومعاداة الفكر والحريات الفردية والديموقراطية، بل على العكس من ذلك تريد الظاهرة العدنانية أن تصور لنا الله بصورته الحقيقية، ذلك الإله الرحيم والرؤوف بالعباد الذي يسعى إلى هداية الناس وإعمار الأرض وتحقيق العدل، وأنه تعالى رب الناس أجمعين، وتقر بأن التدين حرية وليس كبتا لمن فهم كنهه ومغزاه الوجودي.

ثالثا: تريد منا الظاهرة العدنانية أن نكف قليلا من اجترار مقولات المؤامرة التي نفسر بها تخلفنا المتمثل في الانهيار الحضاري والاستبداد السياسي والتخلف الاجتماعي والثقافي، بقوى غربية تريد أن تمزقنا .بل يجب أن نصرخ في وجوهنا وأن نحملها مسؤولية هذا التخلف التي أصبح عنوانا لنا منذ أزمنة غابرة.

والظاهرة العدنانية تفهمنا أنه يجب على الذي يريد أن يتكلم باسم الإسلام ويدعو إليه أن يكون ملما بشتى الوسائل الخطابية والمعرفية. فلا يمكن أن نواجه هذا العصر بمقولات القدماء والموتى، بل يجب مواجهة العصر عن طريق الاغتراف من شتى معارفه ومنجازاته حتى يتسنى لنا الدعوة إلى الله بصورة حضارية نستطيع من خلالها إقناع الآخرين مهما تعددت مشاربهم الدينية واتجاهاتهم الفكرية، من جهة أخرى فقد أفهمتني الظاهرة العدنانية، أن المفكر والمثقف ورجل الدين لا يجب أن يلعبوا دور المخدر داخل المجتمع وأن لا يكونوا أبواقا يتحدثون باسم السلطة من خلال تبرير أفعالها، ودعوة الناس إلى الصبر واعتبار الفقر والظلم والطغيان أقدار يجب الاستسلام لها والتسليم بها بل على العكس من ذلك يجب الوقوف دائما مع الجماهير ومع متطلباتها تحت مبدأ أن أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر. ولا بد للمثقف الحقيقي أن يقف في وجه الموروثات التي اكتست طابع التقديس وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الدين والتراث.

من أراد أن يخرج عن تفافة السائد والموروث لا بد له أن يكون مستعدا لشتى مظاهر التخوين والتكفير، لأن البوح بالحقيقة ليس من شيم الضعفاء، وإنما خاصية لا تطبع إلى أصحاب الضمائر الحية والنفوس القوية.

وأهم درس تعلمنا إياه الظاهرة العدنانية هي أن نتجرأ على استعمال عقولنا في شتى المسائل ولا نترك الآخرين يفكرون مكاننا، ذلك أن فعل التسليم بكل القضايا لا يولد إلا تدينا أعمى ذا بعد طقوسي وظاهري لا يولد إلى التعصب والتطرف في بعض الأحيان، بل يجب أن يكون تديننا عقلانيا ومقصاديا مفعم بروح خلاقة تأثر على شخصية الفرد من الناحية النفسية والناحية الاجتماعية بعيدا عن تلك الطقوس الجوفاء والمتكررة.

فالإسلام الحقيقي من وجهة نظر عدنانية هو الذي يبث في الشخص النباهة الاجتماعية والفردية ولا يطمس شخصيته ويحوله إلى كائن اجتراري يسلم بكل شيء ويقوم بسحق عقله في غياهب المجتمع وتفافته التي تقتل فينا حس الإبداع والنقد والمساءلة لجميع الامور والقضايا. وعليه فإن أهم الدروس المستخلصة من الظاهرة العدنانية، هو أنه من أراد أن يخرج عن تفافة السائد والموروث لا بد له أن يكون مستعدا لشتى مظاهر التخوين والتكفير، لأن البوح بالحقيقة ليس من شيم الضعفاء، وإنما خاصية لا تطبع إلى أصحاب الضمائر الحية والنفوس القوية، الذين يطلبون الحقيقة لذاتها وليس إرضاء للجماهير والطائفة والجماعة. وقد علمتنا دروس التاريخ أن الحقيقة ليست اكتشافا جماعيا، بل تم امتطاء دروبها من طرف شخصيات فذة واجهت مصائر خطيرة تراوحت بين التكفير والقتل واتهامها بالخروج عن الجماعة والطعن في المقدسات.

وجوهر أفكار الظاهرة العدنانية تقول لنا أن ترديد هذا الدعاء يعد إحدى مفاتيح استيقاظنا من غيبوبتنا وتخلفنا، وجوهر هذا الدعاء: اللهم إننا نعوذ بك من عبادة الموتى والطغاة والمترفين، ونعوذ بك من عبادة الطائفة والمذهب، اللهم ألهمنا النباهة حتى نستطيع فهم واقعنا، وحبب إلينا العلم والمعرفة، وحببنا في الحياة ولا تجعل أكبر همنا الموت، اللهم أبعد التعصب عن علمائنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.