شعار قسم مدونات

نِساءٌ كافِرات

blogs- مسلمة

"ناقصاتُ عقلٍ ودين.. مَلعُونات.. وكافراتٌ بالعشير.. ولهذا هنّ أكثرُ أهلِ النار، نعم؛ إنهنّ معشر النساء؛ الظالماتُ لأزواجهنّ الطيّبين المسالمين، ألا نجّانا الله من كيدهن؛ إن كيدهنّ عظيم".. جُمَلٌ وَرَدَت في الأثر عن النبي؛ صلى الله عليه وسلم، وكثيرًا ما نرددها نحن معشر الرجال ـ إلا من رحم ربي ـ على مسامع النساءِ؛ خاصةً في أوقاتِ الخلاف.

وفي زمن الفتنةِ والتيه الذي نحياه؛ صِرنا نرى ونسمع عن الكثيرات من النساء اللاتي تطرّفنّ في البعد عن الشرع بسبب سوء تفسير واستخدام الرجال لتلك الآثار، حتى أن الكثيراتِ منهنّ صِرن في شبه خصامٍ مع هذا الشرع الحنيف الذي يُسبهنّ ـ حاشاه ـ ويظلمهنّ ويُفضّل الرجال عليهن، بل إن الأمر قد وصل إلى الحد الذي قالت فيه إحداهن: لا أحب الرسول، وبَرّرت قولها أنه في أي خلافٍ مع زوجها يقوم بوضع تلك الأحاديث أمامها دفعةً واحدةً كي يُلجمها، ثمّ يذهب منتصرًا بعد أن أعان عليها شيطانها وأوغر صدرها على هذا الدين ورسوله، فهل ظلم الرسولُ المرأة حقًا؟! وهل كان يُعاملها كما يعامل جُلّ رجالِ اليومِ نساءهم؟

"مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ". حديث شريف.

من منا لا يعلم نزول الرسول على مشورة زوجته أم سلمة يوم الحديبية، عندما رفض الصحابة تنفيذ أمر الرسول، وكذلك موقفه النبيل من صُويحباتِ أمّنا خديجة، اللاتي كان يُرسل إليهن بالعطاء والطعام وفاءً لزوجته التي ماتت منذ سنين

فما هو نقصانُ عقلِ المرأة؟ الرسول نفسه فسّر نقصَ عقلِ بأن شهادتها تعدل نصف شهادة الرجل، وأن نقص دينها هو عدم صلاتها وصومها أثناء الحيض، وهذان أمران لا يعِيبان المرأة، فهما شيئان من خِلقتها لا يَد لها فيهما، فلأن المرأة لا تخرج كثيرًا ولا تهتم بالتجارة والمعاملات ولا تسافر كما يسافر الرجال؛ كانت قدرتها على الحفظ أقل من الرجال فكانت شهادتها في بعض الأمور بنصف شهادة الرجل، وأيضًا لقوة عاطفتها ورقّة مشاعرها قد تتأثر بعض أحكامها على الأمور، فهي دومًا تُغلّب العاطفة، وهذا ليس عيبًا فيها، فلولا عاطفتها تلك لما استقامت لنا حياة، فنحنُ معشر الرجال عقلانيون وماديون أكثر من اللازم، فكان ولابد أن تكون عاطفة المرأة زائدة ليحدث التوازن، وبهذا تستقيم حياتنا جميعًا.

هل كل النساء ملعونات؟
يقول الحديث: «إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ».

الكلام هنا عن فعلٍ ونتيجة، فإذا لم يحدث الفعل انتَفَت النتيجة؛ مثل أن تقول: إذا قصّر الرجل في حق أهله فقد ضيّع الأمانة. فهل هذا يعني أن كل الرجال مُقصّرون مُضيعون للأمانة؟ بالطبع لا، وكذلك كل النساء لَسنَ بملعونات، بل المرأة التي تمنع زوجها من حقه الشرعي بغيرِ بأسٍ، مجرد عِندٍ منها وعصيان، فتلك تلعنها الملائكة، والتي لا تفعل ذلك فهي غير ملعونة، الأمر بسيط أعتقد.

لكن لماذا كان اللعن؟
ببساطة لأنها بامتناعها هذا قد تدفع زوجها إلى ارتكاب الفواحش، فالرجالُ ثابت بالعلم والتجربة أن شهوتهم عالية، وأنهم عند تأجّج شهوتهم تتغير حالتهم وتكاد تطير عقولهم، وإن لم يقضِ الرجل وَطَره في الحلال، فمؤكد سوف تُسوّل له نفسه بأن يقضيه في الحرام، وامتناع الزوجة هنا قد يؤدي إلى إثمٍ وفسادٍ في الأرضِ عظيم، فعمل الشرع على سدّ الذريعة، أمّا المرأة التي لم تمنع زوجها حقّه، أو كان عندها عذر مقبول مثل مرض أو غيره، فتلك حاشا لله أن يجعل الملائكة تلعنها. 

ونفس الأمر ينطبق على أحاديث كُفران العشير، فهل هي تشمل كل النساء؟
بالطبع لا؛ بل هو يشمل النساء اللاتي يُنكِرن فضل أزواجهن ويُضيّقن عليهم معيشتهم، فإن من تفعل ذلك فهي المذمومة، فأنتِ كامرأةٍ صالحةٍ تُراعي ربها في زوجها لستِ مشمولة بالحديث، مثل الكثيرات من الصالحات على عهد النبوة وبعده، واللاتي لم يُغضبهن الحديث ولم يجدن فيه بأسًا، فكأن الحديث يقول: هناك الكثير من النساء يَكفُرن العشير، هؤلاء مذمومات، أما المُؤمنات التّقيّات فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهن: « إِذَا ‏صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ‏شِئْتِ».

«غَارَت أمّكُم».
هل كان الرسولُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ شديدَ التعاملِ مع النساء؟ هل كان يضرب ويَنهَر ويكسر الضلوع؟ هل كان لا يغفر لهن؟ هل كان لا يُشاورهن كما يفعل الكثير من رجال اليوم؟

تخيل معي الموقف التالي: جالسٌ أنت وأصدقاؤك في منزلك تنتظرون الطعام الذي تُحضّره زوجتك، في اللحظة نفسها يطرق الباب، فإذا بطعامٍ تُحضره زوجتك الأخرى التي علمت أن معك ضيوف، فتخرج زوجتك ربة البيت فتكسر الطبق الذي به الطعام لينزل الطعام على الأرض أمام الحضور، فماذا سيكون موقفك؟

ظني أن أغلب رجال عصرنا ستتنوع مواقفهم ما بين ضربٍ وشتمٍ وتعنيف، ولا أجازف إن قلتُ أن غالبيتهم سيكون رد فعله الأول كلمة "أنتِ طالق"، لكن ماذا فعل رسولُنا وهو أكثر الرجال كرامةً ورجولةً عندما تعرض لنفس الموقف؟ بكل بساطة قال للحضور «غَارَت أمُّكُم».. لم ينهرها، لم يُعنّفها، بل حتى لم يسامحها فقط؛ لكن وكأنه يُبرر فعلتها للحضور ويقول لهم: لا تُؤاخذوها فأنتم تعلمون ماذا تفعل الغيرة بالنساء؟ 

ومن منا لا يعلم نزول الرسول على مشورة زوجته أم سلمة يوم الحديبية، عندما رفض الصحابة تنفيذ أمر الرسول، وكذلك موقفه النبيل من صُويحباتِ أمّنا خديجة، اللاتي كان يُرسل إليهن بالعطاء والطعام وفاءً لزوجته التي ماتت منذ سنين.

ما هو نقصانُ عقلِ المرأة؟ الرسول نفسه فسّر نقصَ عقلِ بأن شهادتها تعدل نصف شهادة الرجل، وأن نقص دينها هو عدم صلاتها وصومها أثناء الحيض، وهذان أمران لا يعِيبان المرأة، فهما شيئان من خِلقتها لا يَد لها فيهما

الحديثُ عن إكرامِ النبي؛ صلى الله عليه وسلم، للنساء يطول، والمساحة المتاحة لا تكفي، فآثرتُ اختيار بعض الأحاديث وأضعها أمام عين كل امرأةٍ ظلمها شِبهُ رجلٍ مُوهمًا إياها أن هذا الظلم من الدين، والدينُ منه ومن ظلمِه براء.

«خِيارُكُم خِيارُكُم لِنسائِهِم خُلُقًا». رواه الترمذي.

«لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». رواه مسلم.

«اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا». رواه البخاري.

في خطبة الوداع؛ تلك الخطبة العصماء التي بيّن فيها النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من ثوابت هذا الدين وأكّد عليها، أوصى فيها بالنساء قائلًا: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ». وأن تأتي الوصية في خطبةِ الوداع فإن ذلك له دلالة، وكأنه صلى الله عليه وسلم يؤكد على أهمية الأمر بالنسبة لنا كمسلمين. 

وخِتامًا؛ لم أكن أظن أن يأتي ذلك اليوم الذي نؤكّد فيه المُؤكَّد ونوضّح فيه الواضِحَات، لكن ما باليد حيلة؛ فالناسُ غرقى والفتنُ تموج والشُبُهاتُ تَتَطَاير والدينُ من كل حدبٍ يَنسَلّ عليه أعداؤه، والمسلمون غُثاء، والزمانُ زمان ردّةٍ وكُفران، وصار النهارُ يحتاج إلى دليل، فحسبُنا الله، هو المستعانُ على ما يَصِفُون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.