شعار قسم مدونات

فيلسوف الجزائر المطرود

BLOGS- مالك بن نبي
مالك بن نبي هو أحد أعمدة الفكر النقدي التحليلي المهمة في العالم العربي-الإسلامي، بحيث يعتبر سابقة في مجال صياغة النظريات الفكرية الفلسفية، وفي مجالات كثيرة منها: الثقافة والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلوم أخرى، يعتبر الرجل من أهم المنظرين للنهضة العربية الإسلامية، وله في ذلك مؤلفات كثيرة، أشهرها: الظاهرة القرآنية، بحيث يعتمد عليه الكثير من الباحثين في صياغة أبحاثهم، والكثير من مراكز البحث في بلورة استراتيجيتها، بينما يرى البعض الآخر فيه مجرد "ناقل" لمؤلفات رجال مفكرين من الغرب واسقاطها على واقعه آنذاك؛ موسوعيته جعلت تصنيف كتاباته عسيرا جدا، يستعصي حتى على الأدهى والأقرب إلى فكره، حتى على تلاميذه، عمل بمجالات كثيرة، منها التدريس والهندسة الكهربائية، واجتهد في كشف "الصراع" الدائر بين القوى العالمية من جهة، والعالم الثالث من جهة أخرى، خاصة العالم العربي-الإسلامي. 

كتب هذا الفيلسوف بنهم وبدقة، فجمع بين دقة الحسابات، وصرامة المناهج، وحركة الأحداث السياسية والاجتماعية، وعليه جاءت لغته بسيطة تقترب من الذهن البسيط، وعميقة تقترب من العقل العلمي، ومترابطة بحيث تشكّل نسقا متكامل الأركان يمدّ جسرا متينا إلى روح الفرد ويتوغل في النفسية انطلاقا من المرجعية الدينية والأساس العلمي، ووصولا إلى الأرضية الثقافية-المعيشية للواقع بكافة تجلياتها.

يظهر أسلوب بن نبي العلمي بشكل جليّ في عنصر "العمل"، وهو يستعمل مصطلحا خاصا في هذا الصدد ألا وهو: المنطق العملي، أي أنه يضع الإنسان "الكائن الروحي" بين الروح والمادة، وهي قضية فكرية فلسفية قائمة.

بعض الباحثين العرب يحصرون أعمال مالك بن نبي في خانة "علم الاجتماع"، لكننا لا نوافق هذه الرؤية، لأنّ مفكرنا لم يتوقف فقط عند الظواهر الاجتماعية، وإنما ردنا عليهم يكون بالقول بأنّ باحثنا جعل "القضايا الاجتماعية" جزء من زوايا بحثه، كما يفعل كل فيلسوف ينتهج منهجه الخاص، ولكي تكتمل الصورة الفكرية الخاصة بمالك بن نبي، جعل من النظريات الروحية التفسيرية لبعض الوضعيات الاجتماعية احدى أركان التغيير الذي نادى به، بحيث لا يتم ذلك سوى بفهم الثقافة التي يخوض فيها الباحث، كون أنّ الإنسان هو جوهر الحضارة لكنه لا يكون الجوهر الوحيد فيها.

يظهر أسلوبه العلمي بشكل جليّ في عنصر "العمل"، وهو يستعمل مصطلحا خاصا في هذا الصدد ألا وهو: المنطق العملي، أي أنه يضع الإنسان "الكائن الروحي" بين الروح والمادة، وهي قضية فكرية فلسفية قائمة باستمرار، ففي هذا الخصوص يرى مالكًا أن العمل هو أرقى صور الحضور البشري في هذا العالم، والفرد العامل هو الفرد الفاعل بشكل ايجابي في محيطه، لدى فإن طول عمره ودوام نشاطه هي عوامل تساعد المجتمع على الارتقاء إلى النهضة "المسؤولة" أمام حركة التاريخ وآثار الزمن.

لا ينس مالك بن نبي العامل الحاسم والموجه سواء للإنسان أو للعمل كنمطية تجمع بين الفرد وما يحيط به، وهو ما يعبّر عنه بـ: الزمن، فالوقت أو الفترة المحدودة من عمر الإنسان يجب أن تستغلّ بشكل جيّد من طرف الفرد.

ومن هذه الفكرة بالذات، يتمدد فكر مالك بن نبي إلى المجال الروحي لهذا العامل وهو: الدين، حيث يعتبر المصدر المثالي كغذاء غني بالمعاني من أجل شحن العمال، وهو بذلك يتفق مع الفيلسوف الألماني هيغل بخصوص فينومينولوجيا الروح، ويختلف مع كارل ماركس بخصوص المبادئ التي تقوم على بلورة مجال صحي للعمال، فماركس ينتدب "التخطيط" أو العقل بدل الدين، لكن مالك بن نبي يضع العقل في مكانة المحرك لا المرجعية، فهو بمثابة المضخة التي تضخ الروح المستمدة من الدين في جسد العامل لتلهمه وتجعله أكثر نشاطا ودائم الحيوية.

لا ينس مالك بن نبي العامل الحاسم والموجه سواء للإنسان أو للعمل كنمطية تجمع بين الفرد وما يحيط به، وهو ما يعبّر عنه بـ: الزمن، فالوقت أو الفترة المحدودة من عمر الإنسان يجب أن تستغلّ بشكل جيّد من طرف الفرد في حدّ ذاته، واهدار وقت الفرد أو حتى أوقات الجماهير هو ما يصبّ في لبّ استراتيجية الاستعمار (الامبريالية العالمية)، وهذا ما أكسبه أعداء كثر حتى يومنا الحالي، ولهذا السبب عاش مالك بن نبي الكثير من الأزمات والتضييق على أنشطته الفكرية والعلمية، بل هو سبب الحقد عليه من طرف الكثير من الأوساط التي تعمد إلى شيطنته حتى الآن، وتستهزئ بما أنجزه الرجل من نظريات تفيد العالم المتخلف كمحاولة لفهم واقتراح حلول لما تعيشه شعوب أفريقية وآسيا على وجه الدقة لا الحصر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.