شعار قسم مدونات

زيدان.. سيد الخواتم

Britain Soccer Football - Juventus v Real Madrid - UEFA Champions League Final - The National Stadium of Wales, Cardiff - June 3, 2017 Real Madrid coach Zinedine Zidane celebrates with the trophy after winning the UEFA Champions League Final Reuters / Eddie Keogh Livepic
في يوليو من عامِ 2011 أعلنَ ريال مدريد أن زيدان سيكونُ ضمنَ فريقِ التدريب المساعد، يومها كانَ مورينهو وكل مدربي أوروبا يحاولُون تفكيكِ لغزِ جوارديولا، الفرَق الكبرى وأكابر المدربينَ كانوا مذهولينَ مما صنعه جوزيب، القادم من المجهول، الذي لم يدرب قبل برشلونة إلا "برشلونة ب"، وهناك على دكةِ احتياط البرنابيو، جلس زين الدين يراقبُ كل ما يحدث. تتوالى الأيام، يذهب مورينهو بعد أن عجزَ عن تحقيقِ المراد (العاشِرة)، ويذهب جوارديولا بعد أن حققَ كل شيء. ويأتي المُعلِم كارلو آنشيلوتي في عام 2013، ويعلنُ الريال أن زيدان سيصبح مساعده الأول، ويواصل زيدانُ أخذَ العبر. ينجح كارلو في مهمتِه، ويكسر اللعنةَ أخيرًا.

بعدَ ثلاثةَ عشرةَ حجةً من هدفِ زيدان الخارق ضد ليفركوزين. زيدان الذي اختارَ -على طريقةِ جوارديولا- أن يدربَ الفريق الرديف، كانَ بين عامَي 2014 و 2016 يشرفُ على "ريال مدريد كاستيا" بعينٍ، وبعينٍ كان يسمع ويرى ما يحدث في الدوري الأول ودوري الأبطال. لم تطل أيامُ آنشيلوتي بعد خلافاتهِ مع بيريز حول خططِ اللعب، كانَ اثنانِ أو ثلاثةٌ من نجوم الريال على غير وفاق معه، فرحل الإيطالي عنهم والحق أن "الراحلون همُ". يأتي رافائيل بينيتيز ليلملمَ ما تبقى من الفريقِ المُنتشي بالعاشرة، المنهكُ بعدمِ قدرتهِ على مجاراةُ عبقريةِ آنشيلوتي، ويفشلُ بينيتيز في كل شيءٍ تقريبًا، إلا شيئا واحدًا: تمهيد الطريق لزيدان الذي رأي أن وقته قد حان.

في الأشهر التي سبقت بداية الموسم، استطاع زيدان أن يخالط نفوسَ لاعبيه بالعزيمة، جعلهم يدخلون الموسم وهم فائزون أصلا. وفي كلِ مباراةٍ من 2016/2017 سجلوا هدفًا على الأقل.

في الرابعِ من يناير عام 2016، يعلن ريال مدريد تسريحَ رافائيل، وتعيينَ زين الدين زيدان مدربًا للفريقِ الأول. وتلكَ خطوةٌ لم يتفق الجميع على الإعجاب بها، لكن اثنينِ كانا بها فرحين: زيدان وفريقُ الريال. زيدان لأنه أنهى تبتله في صومعةِ "المدرب المساعد" وقرر أن يخرج على الناس بما تعلمه، والفريق لأنه يعرف زيدان جيدا ويحبه؛ ومَن من الناس لا يحب زيدانا؟!

بعد ثلاثةِ أشهر فقط، قاد زيدان فريقهُ للفوز على برشلونة وإنهاء سلسلةِ انتصاراتهِ عند 39 مباراةً دون هزيمةٍ للكاتالونيين. وأصبح زيدان بذلكَ أول مدرب للريال يفوز في أول كلاسيكو له منذُ شوستر عام 2007، بدأ زيدان منذُ اللحظةِ الأولى ببناء فكره الذي استقاه من أربعةِ أصول ربما هي الأهم في كرة القدم اليوم: جوارديولا، مورينهو، آنشيلوتي، ورافا بينيتيز. وزيدان لأن لا يُسرع في خطوه فيغلبَه ما غلبهم، اختار طريقًا أبسط؛ تحفيز اللاعبين بدل الاعتماد على التكتيك. وهذهِ هي ميزة زيدان الأولى كلاعبٍ وكمدرب: زيدان يفهمُ الإنسان ويعرف كيف يتعامل معه ويعرف كيفَ يخرج منه أفضل ما لديه.

ما فعله زيدان هو إعادة صياغةٍ لفريقٍ من النجوم، بحيث ينزلون قليلا إلى الأرض. ذلكَ كل شيء! استطاعَ أولا، أن يخرج ريال مدريد من "جلباب" كريستيانو، بعد أن عاش فيه سنينَ طويلة، وزيدان يعرف كيف يتعامل مع النجوم، فهو أحد الجالاكتيكوس، بل كبيرهم الذي علمهم السحر؛ زيدان في لحظةٍ ما لعبَ بين رونالدو وبيكاهم وفيجو وراؤول وكارلوس. فهو يعرف جيدا كيف يتعامل مع الكبار، وكيف يعيدهم إلى أداءِ أدوارهم، وبذلك نجح فيما فشل في فشل فيه مورينهو وآنشيلوتي وبينيتيز. جعل زيدان من رونالدو وجاريث بيل لاعِبَين فحسب، وجعل من الفريق الذي معهما فريقًا لا يخدمهما، بل يلعب معهما ويلعبانِ معه، مُحقِقا التوازن الذي كانَ الريال يفتقده.

أما الفوز بالألقابِ فليس صعبًا جدا عندما يكونُ الفريق قويا -نفسيا- بما يكفي ليصبر حتى النهاية، حتى الركلةِ الأخيرة من ضرباتِ الترجيح، التي كانت ظالمةً بحق سيميوني، لكنها كانت عادلة بحق زيدان، الذي حصد لقب الأبطال في نصف موسم!

ثم بدأ موسم جديد ومعه بدأ زيدان بروحٍ جديدة: روح الأسطورة. في الأشهر التي سبقت بداية الموسم، استطاع زيدان أن يخالط نفوسَ لاعبيه بالعزيمة، جعلهم يدخلون الموسم وهم فائزون أصلا. وفي كلِ مباراةٍ من 2016/2017 سجلوا هدفًا على الأقل. لم يصمد أمامهم أي دفاع في أوروبا كلها. قَدِرَ زيدان أن يجعل من مودريتش، كروس، كاسيميرو أفضل ثلاثي خط وسط في أوروبا، واستطاعَ أن يقنع رونالدو بالتخلى عن بعض دقائقِ اللعب مقابل مزيد من الأهداف، وهو ما رضي به رونالدو، فأنهى الموسم متفوقًا على بقيةِ هدافي أوروبا رغم فارق السن.

كانَ عهد ريال مدريد بالدوري أيام جلوس زيدان على مقعد المساعد، عام 2012 مع مورينيو، ولم يكن أحد قد فاز بدوري الأبطال مرتين متتاليتين، ففعل زيدانُ فِعلهُ السحري. أعاد الدوري إلى البرنابيو واحتفظ بدوري أبطال أوروبا.

ضحى زيدان أثناء الموسم بكأس الملك، بدت قربانا لما هو قادم، صحيح أن سلتا فيغو استحق الفوز على كل حال، لكن من الواضح أن زيدان كان يضع نصب عينيه شيئا غير كأس الملك، شيئا أكبر وأكثر بريقًا: كان مصرا على إعادةِ ذات الأذنين للمرةِ الثانيةَ عشر إلى البرنابيو، ومن أجل ذلك كان يلعب بفريقين: منح للشباب فرصتهم كي يفوزوا بالدوري، وادخر طاقات خبرته ولاعبيه الأساسيين لدوري الأبطال، وسر ذلك كله: التحفيز وإقناع اللاعبين بقدرتهم على تحقيق الفوز كل مرة. وظل فريقه يفوز ويفوز ويفوز حتى النهاية.

يكفي أن ننظر للأرقام كي نفهم أثر زيدان على ريال مدريد؛ في 87 مباراةً سجل الفريق 245 هدفًا ولم يخسر سوى سبع مباريات! وسجل في كل مباراةٍ خاضها هذا الموسم، لم يعجز عن التهديف ولو مرةً واحدة. صنع زيدان فريقًا مرعبا، لكنه أيضا صنع فريقا محترما، فراموس لولا بطاقته الحمراء في الكلاسيكو كان سينهي الموسم "أبيضًا ناصعا"، لكن ربما تلك مشكلة راموس وليست مشكلة زيدان، ومارسيلو وكارفاخال صارا -تقريبِا- أفضل ثنائي في مركز الظهير، كوفاسيتش وكاسيميرو وجدا الفرصة ليثبتا نفسيهما، وبنزيما ساهم -على علاته- في نجاح الخطة. ويكفي لنفهم مدى القوة التي وصل لها ريال زين الدين أن ننظر إلى حالة السيدة العجوز: يوفنتوس في دوري أبطال أوروبا استقبل ثلاثةَ أهدافٍ فقط في اثنتي عشرة مباراة، أي بمعدل هدف واحد في كل أربعِ مباريات. كان فريقا من حديد، حتى قابل ريال مدريد! انقلبتِ الكفة واستقبل أربعةَ أهدافٍ في مباراةٍ واحدة!

كانَ عهد ريال مدريد بالدوري أيام جلوس زيدان على مقعد المساعد، عام 2012 مع مورينيو، ولم يكن أحد قد فاز بدوري الأبطال مرتين متتاليتين، ففعل زيدانُ فِعلهُ السحري. أعاد الدوري إلى البرنابيو واحتفظ بدوري أبطال أوروبا. وصنع مع ذلك فريقا عظيما، يلعب كرة قدم جميلة، ويقدم أداء مقنعا حتى للخصوم. فريقٌ هو الأفضل نفسيًا على أرض الملعب، عندما يلعب بروحه الكاملة، فريق لا يمكن رده عن الشباك ولا تفيد زيارة شباكه شيئا ما دام في كل مرةٍ سيرد الصاع صاعين وثلاثة وأربعا، وتلك، تلك هي عظمةُ زيدان وفريقِ زيدان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.