شعار قسم مدونات

ثلاثون دقيقة في خيمة إنسان

blogs- الخيمة
لم أرَ في حياتي بؤساً كهذا! بين ثنايا المخيمات المترامية هنا وهناك، بين أقمشةٍ على هيئةِ خيام، وَجَعٌ يسكن في كل زاويةٍ من هذه البقعة وقهرٌ يُخيّم على المكان، تحت شمس صحراءٍ لا ترحم وبردُ ليلٍ يسلب منك آخر درجة حرارة في جسدك..

تُكمل عشرات العائلات البائسة حياتها في مكانٍ يكاد أن يكون منفىً للحياة البشرية التي نعرفها فلا منزل يؤيهم برد الشتاء ولا أشجار يأكلون ثمرها أو يستظلّون بظلّها ولا ماء يروي ظمأهم… هنالك خيمة ممزقة وحطبٌ رَطب وأطفال يحلُمُون..

ما الجُرم الذي ارتكبه هؤلاء يا ترى حتى وصل بهم الحال إلى هذا القَدَر من البؤس؟! أهي أحلامهم التي تجاوزت الخطوط الحمراء أم هذا هو قدرهم وامتحانٌ لهم؟! أيّاً يكن السبب فقد تم الأمر وحلّ الفقر في كل زاوية من خيامهم وارتسم البؤس على وجوه أطفالهم التي لا تكاد تُميزهم عن الرجال سوى أجسادهم الصغيرة فأيادي الأطفال خشنة مجرّحة كرجلٍ ناهز التسعين من العمر.
 
ونساءٌ يقضين وقتهنّ في تقشير البطاطا وغسل الملابس وخياطة ثقوب الخيمة في وقت فراغهن.. كنتُ أظنُّ أن التعذيب في المعتقل هو أشدّ أنواع التعذيب لكنني سرعان ما غيرت رأيي حين رأيت عذاب الطبيعة! رياحٌ تأخذك يميناً تارةً وشمالاً تارةً أخرى.. تقضي نهارك في شدّ أوتاد الخيمة التي غالباً ما تخذلك وتُهزم أمام هبّة رياح قادمة من أقصى الغرب.

تنام وتتمنى لو تستطيع أن تُبقي عيناً مستيقظة خشيةً من غدرٍ لربما تتعرض له.. ليس من كائنات بشرية أو حيوانية بل من الطبيعة.. نعم من الطبيعة، فلا عجب أن تستيقظ لتجد نفسك تعوم فوق ملابس أطفالك المهترئة وحطب الموقد الذي قضيت عشرة أيام في جمعه..

ما الجُرم الذي ارتكبه هؤلاء يا ترى حتى وصل بهم الحال إلى هذا القَدَر من البؤس؟! أهي أحلامهم التي تجاوزت الخطوط الحمراء أم هذا هو قدرهم وامتحانٌ لهم؟!

وسيلٌ من مياه الأمطار يتجول بين الخيام ليقتلع ما بقي صامداً منها ليلاً.. أنتَ مُحاصر.. البؤس في كلّ مكان والفقر أعجبته الحياة في زاوية الخيام.. في ذلك المكان حيث استنشاق اليأس وزفير الأمل.. يا له من مكانٍ مشؤوم تعيش العائلات فيه صراعاً دائماً مع الحياة.
 
يريدون العيش.. يريدون فرصة لإكمال حياتهم.. الشتاء يشتد وأجسادهم تقارع جيوشاً من العواصف والثلوج التي كلما تراكمت وقفت لها الأيدي تحمل العِصِي لتطرده عن سقف خيمتهم وحريتهم وكرامتهم..
محاربوا الشتات.. قليلٌ عليهم هذا اللقب فالمحارب ربما ينال منه التعب أو يُجبر على الاستسلام.

لكنهم ما زالوا محافظين على كرامتهم التي تقف حصناً منيعاً أمام غدر هذا الزمان.. ثلاثون دقيقة كانت كافية لتختزل لي معاناة ستة سنوات من الثورة بكافة تفاصيلها، لم تكن دقائق عابرةً أو مشهدا سينسى مع مرور الأيام. 

إنه الموت الذي يحيط بهم منذ سنوات وداهم منازلهم دون سابق إنذار، صبر جميل، محاربة اليأس إيمان بفرج قريب، هذا هو سلاحهم في وجه حياة لا تحمل من اسمها شيئاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.