شعار قسم مدونات

الإسلام بين الشرق والغرب

blogs - علي عزت بيجوفيتش

"إذا صح أننا نرتفع من خلال المعاناة وننحط بالاستغراق في المتع، فذلك لأننا نختلف عن الحيوانات، إن الإنسان ليس مفصلا على طراز داروين كما أن الكون ليس مفصلا على طراز نيوتن". علي عزت بيجوفيتش

انتهيت حديثا من قراءة كتاب يعتبر مرجعاً فلسفياً لتعميق النظرة العامة للإسلام ومقارنته بالرؤية المادية للمجتمعات الرأسمالية. قبل حديثي عن الكتاب لا بد أن أعرف بكاتبه علي عزت بيجوفيتش أول رئيس جمهوري للبوسنة والهرسك، وقد نشأ في أسرة عريقة في إسلامها وكان من المؤسسين لجمعية الشبان المسلمين وهو في السادسة عشرة من عمره وهي جماعة دينية وسياسية تعلي شأن الإسلام، وقد تعرض بيجوفيتش منذ تأسيسها للملاحقة والحبس المتكرر من الأنظمة الشيوعية في وقتها ولكنه لم يستسلم أبدا واستمر في نضاله الديني والسياسي إلى أن استلم الحكم في البوسنة.

بيجوفيتش القائد والمفكر والإسلامي الذي خاض نضالاً شاقاً للدفاع عن حرية وكرامة شعبه قدم للعالم نتاجاً فكريا مميزا عبر بعض المؤلفات التي قدم فيها خلاصة فكره وثمرة تجاربه السياسية والدينية ليخاطب بها العالم الغربي.

وكان رئيسا غير عادي وسياسيا محنكا استطاع أن يرتقى بالبوسنة ويتغلب على آثار الحكم الشيوعي التي أطاحت بثروات البوسنة وبطشت الكثير في المسلمين وقتها. وكانت جهوده الحثيثة للارتقاء بمسلمي البوسنة والهرسك وبناء دولة ذات طابع إسلامي حر محط إعجاب الجميع؛ وبرغم الحرب الشرسة التي تعرضت لها البوسنة والهرسك من قبل القوات الصربية ردا على استفتاء أغلبية الشعب على الاستقلال عن الاتحاد اليوغوسلافي حيث دفعت البوسنة والهرسك لهذا ثمناً دموياً فراح ضحية العدوان الصربي الكرواتي عليها عشرات الآلاف من الشهداء إضافة إلى اغتصاب ما يزيد عن مئة ألف فتاة مسلمة والعالم لا يحرك ساكناً لإنقاذ مسلمي البوسنة؛ الأمر الذي دفع بيجوفيتش لحل الأزمة المستعصية وإنقاذ شعب البوسنة بعمل فيدرالية متناسقة لوقف المجازر التي استنزفت شعب البوسنة المسلم.

بيجوفيتش القائد والمفكر والإسلامي الذي خاض نضالاً شاقاً للدفاع عن حرية وكرامة شعبه قدم للعالم نتاجاً فكريا مميزا عبر بعض المؤلفات التي قدم فيها خلاصة فكره وثمرة تجاربه السياسية والدينية ليخاطب بها العالم الغربي خاصة والعالم أجمع عامة. ومن أهم كتبه وأكثرها تأثيرا وأوسعها انتشاراً كتاب (الإسلام بين الشرق والغرب) وهو منهج فلسفي متميز يعكس عمق الثروة الثقافية لدى بيجوفيتش.

ففي هذا الكتاب يقدم للعالم نتاجاً فكريا مميزا لا يمكن لأي قارئ أن يمر عليه دون أن يعيد النظر في مفاهيمه ومقارناته فيخبرنا بيجوفيتش أنه يهدف من خلال كتابه هذا أن يساعد العالم على اكتشاف موقع الإسلام في إطار الفكر العالمي ويكشف عن حقائق الإسلام ومؤسساته وتعاليمه بطرق تحليلية تربط بين فهم بيجوفيتش للعالم الغربي- كونه ولد ونشأ بينهم- وبين جهل العالم الغربي بالإسلام وذلك لتصحيح النظرة الخاطئة حول الإسلام في العالم بطريق تثبت عمليا تراجع الأفكار المادية والإلحادية أمام عمق وقوة الإسلام، ويقول في هذا بيجوفيتش: "لكي نفهم العالم فهمًا صحيحًا لا بد أن نعرف المصادر الحقيقية للأفكار التي تحكم هذا العالم وأن نعرف معانيها".

يقع هذا الكتاب في قسمين رئيسين، القسم الأول يتحدث عن الدين بصفة عامة وفي كتابه هذا لا يقصد بالدين (الإسلام) وإنما علاقة الإنسان بربه، من خلال مناقشة قضايا الخلق والتطور والأخلاق والفرق بين الثقافة والحضارة وأيضا ظاهرة الفن وذلك لتفسير موقف كل من الدين والإلحاد من قضية أصل الإنسان، فهو يخبرنا أن الإلحاد يقر بالعلم والتقدم ولكنه ينكر الإنسان ولكن الإنسان أساساً عنصر روحي ولا يمكن أن يتواجد إلا بفعل الخلق الإلهي.

كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" موسوعة فكرية مرتبة بتناسق يمكن القارئ من فهم ماهية الإسلام بطريقة مقنعة تعتمد على المقارنات مع الحركات الفكرية والدينية الأخرى وتستدل بالعلم على قوة حقائق الإسلام وهيبة حضوره.

أما القسم الثاني من الكتاب فهو يناقش الإسلام كوحدة ثنائية القطب وكمبدأ أساسي لتنظيم الكون وليس فقط مجرد دين أو طريقة حياة، فهو يخبرنا كيف أن الإسلام وجد قبل الإنسان، وأن الإسلام دين الوسطية وإلا لما كان موضع الهجوم من كل من الدين والعلم، كما ويؤكد بيجوفيتش بالأدلة كيف أن أساس القوة الغربية مستمد من الملاحظة والتابعة التجريبية لتراث المسلمين ونتاج حضارتهم العلمية الغنية والذي بدوره يعتمد بالأساس على آيات القرآن الكريم.

ولو عدنا إلى القسم الأول في كتابه وهو يحمل عنوان: مقدمات، نجده تدرج في أفكاره بترتيب متقن حيث يستهل حديثه حول قضية الخلق وتطور الإنسان ورأي داروين وغيره من العلماء في هذه القضية وكيف أن الماديون يرون الإنسان كحيوان كامل دون الأخذ بعين الاعتبار الجانب الروحي الذي هو أهم عنصر في تكوين الإنسان وكيف أن الإسلام هو وحده القادر على ربط بين عنصري الروح والجسد لدى الإنسان وتفسيرها بشكل منطقي على خلاف المذاهب والأديان الأخرى. ثم في القسم الثاني من الكتاب يخصص المقارنة للرسالات السماوية الثلاث لكل من موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام كمقدمة مقنعة لتأكيد الإسلام كمبدأ ثنائي وانتصاره على الأيديولوجيات أحادية الجانب ومنها الاشتراكية.

الكتاب موسوعة فكرية مرتبة بتناسق يمكن القارئ من فهم ماهية الإسلام بطريقة مقنعة تعتمد على المقارنات مع الحركات الفكرية والدينية الأخرى وتستدل بالعلم على قوة حقائق الإسلام وهيبة حضوره، لا بد لكل مسلم أن يقرأ هذا الكتاب ليتمكن من فهم الفكر الغربي المعادي للإسلام وكيف ينتصر الإسلام على هشاشة الأفكار الغربية التي ترى فيه ديناً قاصرا وذلك من خلال الكثير من الأمثلة في مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والحضارية للمجتمعات الإسلامية ومقارنتها بغيرها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.