شعار قسم مدونات

هل الإله موجود؟

blogs الكون

مما لا شك فيه أن أعداد الملحدين في العالم الإسلامي أصبحت في تزايد، سواء اختلف البعض في تقدير حجم المشكلة، بين من يبالغ في أعدادها، ومن يرى الأعداد مبالغ فيها. ومع الاتفاق العام على وجود مشكلة عقائدية تنتشر في ربوع الوطن العربي، فقد لزم البحث عن أسباب وجذور تلك المشكلة، قبل البحث عن حلول لها. بالطبع يجب دراسة تلك الظاهرة من جميع جوانبها؛ السياسية منها والثقافية والاجتماعية والنفسية، وقبل كل شيء الدينية والعقائدية. فلا يختلف اثنان أن المشاكل والشكوك والأسئلة العقائدية هي أساس وأصل المشكلة، فهي القنبلة الموقوتة التي تنتظر حدوث أزمة على الصعيد الشخصي أو حتى الاجتماعي والسياسي لتنفجر، معلنة عن أفكار وشكوك مكبوتة، قررت أن تظهر على السطح.

 

لطالما دارت في أذهاننا أفكار من قبيل لم أمرنا الله بكذا ولم حرم علينا كذا، فمن الأوامر الدينية ما توصلنا للحكمة منها، ومنها ما تزال حكمته خفية علينا. وقد نتعمق أحيانا في أفكارنا متسائلين عن حقيقة الدين أو حتى عن حقيقة الذات الإلهية.

 

تكمن المشكلة في رد الفعل النمطي تجاه هذا النوع من الأسئلة، فحتى وإن واتت أحدهم الجرأة ليصيح بما يختلج في صدره من أسئلة، مناديا هل من مجيب. إلا وتوالى عليه الهجوم والاستهجان والنظرات المحتقرة، وفي أفضل الأحيان قد يأتي هذا الصوت العاقل ناصحًا أن استغفر الله ولا تكررها. والله منهم براء، فما نادي الإسلام أبدا بتعبد دون عقل، ولا إيمان دون فهم ويقين، ولا يوجد أصلا إيمان دون فهم ويقين.

 

الإيمان هو اليقين والتصديق، وما من يقين دون فهم وعلم، وما من فهم دون إجابات، وما من إجابات دون أسئلة. وليست كل الإجابات سواء، فاختراع إجابات غير منطقية ويمكن الرد عليها بسهولة، للاقتناع بالإسلام، هو أساس غير ثابت

أذكر قصة سلمان الفارسي الذي كان يدين بالنصرانية، ومن قبلها بالمجوسية. فما آمن حتى اختبر النبي -صلي الله عليه وسلم- في علامات نبوته، حتى إذا أراد أن يتثبت من خاتم النبوة على ظهره، لاحظ النبي أمره، فألقى رداءه عن ظهره؛ ليري سليمان الخاتم ويسلم. ما كان من هذا الصحابي الجليل أن يدخل في دين الله دون اقتناع وفهم وبحث. لقد توثق أولاً من وجود الله ومن حقيقة نبوة رسول الله، فكان لقبه الباحث عن الحقيقة.

 

ومن الصحابة مثله كثير، كانوا بعد إيمانهم وتصديقهم خير عباد يخشون الله ويمتثلون لأمره ويرضون بقضائه دون سخط أو جذع. فكانوا تفسيرا حيا لقوله تعالي "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ". فلماذا يظن إذا من يظن أن تلك أسئلة محرمة توقع في الكفر؟، وكأن ولادتنا على ديانة الإسلام هي ذنب عاقبته ألا تسأل وألا تفهم. فلو كان السائل كافرا لتلقوا سؤاله برحابة صدر، ولأرسلوه لمن يساعده في البحث عن إجابة أسئلته. لن يجيبوه هم بالطبع، فلو كانوا يعرفون الإجابة لما نهروا من سألها، وما كان نهرهم إلا تهربًا من سؤال لا يملكون له إجابة. وأنى لهم أن يعرفوا إجابته، إذا ظنوا أن مجرد التفكير فيه محرم؟

 

الإيمان هو اليقين والتصديق، وما من يقين دون فهم وعلم، وما من فهم دون إجابات، وما من إجابات دون أسئلة. وليست كل الإجابات سواء، فاختراع إجابات غير منطقية ويمكن الرد عليها بسهولة، والاكتفاء بها، ومحاولة الاقتناع بها، للاقتناع بالإسلام، هو أساس غير ثابت، يحتمل انهياره في أي لحظة، مؤديًا إلى الشكوك في الدين ككل.

 

لقد اعترى نبي الله إبراهيم نفسه شك في قدرات الله -وهو النبي الموحى إليه- فطلب من الله الإثبات. لم يوبخه ربه أو يأمره بالانتهاء، بل ساق إليه ما يقنعه بقدرة وعظمة ربه. "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (البقرة 260). فلا يستطيع بطبيعة الحال من لا يؤمن بشيء أن يقنع غيره به، فلزم أن يتثبت إبراهيم، حتى يؤمن، وحتى يقنع غيره بالإيمان.

 

وكما أن هذا النوع من الأسئلة والاستفسارات والشكوك سببًا في ضعف إيمان من لا يجد له إجابة، فهو كذلك سببا في زيادة الإيمان، أو حتى في دخول من كان كافرًا في الإسلام، عندما يجد لأسئلته إجابات تشفي صدره. فالمشكلة إذًا لا تكمن في السؤال، وإنما في رد الفعل السلبي والإجابات الخاطئة.

 

يجب الموازنة بين الحديث عن قضايا العقيدة والقضايا الفقهية، فلا معني للحديث في الأحكام الشرعية بينما العقيدة في خطر، وبينما الشك يعتري الكثيرين، وإن من أعلنوا إلحادهم ما هم إلا رأس الجبل الجليدي

إن ردود من باب انته أو استغفر ولا تسأل هكذا سؤال لم تعد كافية في عصر سادت فيه وسائل التواصل الاجتماعية، فاجتمع أقصى الشرق على أقصى الغرب، وتعارف المؤمن والملحد، والغلبة لمن فهم وكانت حجته أقوى. لم نعد منغلقين كما كنا بالأمس، ولم يعد يخيفنا السؤال. ومن لم يمتلك الجرأة على المواجهة بطرح ما يدور في جنبات نفسه من شكوك، بحث على مواقع الانترنت في صمت، دون إرشاد من حكيم يوجهه لما يفيده ويصرفه عما يلعب في العقيدة فيفسدها.

 

أصبحت عقليتنا نحن الشباب أكثر تفتحا وأكثر تقبلًا لأسئلة كانت تستهجن سابقًا. أصبحنا نرفض القوالب النمطية حتى فيما يتعلق بالعقيدة. أصبحنا نسعى للفهم والاقتناع. وعلى رجال الدين أن يواكبوا العصر، وأن يبدأوا في البحث والاجتهاد في هذا النوع الخطير من القضايا، الذي لا أقول أنه أهم من قضايا الصلاة والطهارة، ولكن على الأقل يجب الموازنة بين الحديث عن قضايا العقيدة والقضايا الفقهية، فلا معني للحديث في الأحكام الشرعية بينما العقيدة في خطر، وبينما الشك يعتري الكثيرين، وإن من أعلنوا إلحادهم ما هم إلا رأس الجبل الجليدي.

 

أصبح من المطلوب التجديد الحقيقي في الخطاب الديني -وإن اكتسب ذلك المصطلح في مصر معني سلبيا في الفترة الأخيرة-. لم يعد التكتم يجدي، فما هو إلا خرقة بالية، كانت تسد ثغرة اتسعت في جدار الأمة، فلم يعد يكفيها الصمت. وبعد ما طرحته من أهمية استيعاب السؤال، والبحث عما يشفي صدر صاحبه، اتوجه بالسؤال الأول في هذا الصدد: هل الإله الموجود؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.