شعار قسم مدونات

عن عمره فيما أفناه

blog الوقت

قبل أيام جلست طويلاً أفكر في إعداد برنامج لتنظيم الأعمال والأنشطة المختلفة خلال شهر رمضان المبارك وكنت أتساءل مع نفسي عن تلك الساعات الطويلة التي قد تضيع منا في المبالغة بمتابعة أمور ثانوية نقدمها على أخرى مهمة فتلك الأوقات التي نقضيها أمام شاشات التلفاز أو تلك التي تستمر طوال اليوم بمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة أو حتى ذلك الحديث الطويل مع الأصدقاء عن أمور تعتبر من هوامش الحياة ومن باب اللهو والتسلية.

تذكرت كيف أنه عندما تنقطع الكهرباء عن منازلنا لفترة طويلة حيث لا تلفاز ولا إنترنت وغيره فندرك حينها كيف أننا نمتلك الكثير من الفراغ الذي كانت تشغله التكنولوجيا الحديثة حتى أن الأسرة المشتتة في أنحاء المنزل تجدها قد اجتمعت في غرفة واحدة لانتظار عودة الكهرباء ومن ثم العودة مجدداً للتلفاز والإنترنت.

بحثت في كتاب الله فوجدت أن الله سبحانه وتعالى أقسم بالوقت في كتابه الكريم حيث قال عز وجل: "وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ" وقال تعالى: "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى" وإن العظيم لا يقسم إلا بعظيم فلقد أولى الإسلام الوقت الكثير من الاهتمام لأنّ فيه تتمّ الأعمال الصالحة أو الطالحة ويحاسب العبد بناءً عليها ويعلم مكانه في الآخرة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتَى يسأل عن أربع: عن عمرِه فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أَين اكتسبه وفيما أنفقه.

إن الكثير من المفكرين قد وضعوا الوقت كعامل أساسي من عوامل التقدم والرّقي الحضاري في المجتمعات فالناس الذين يحرصون على أوقاتهم ويحسنون استغلاله وتنظيمه هم ضمن تلك المجتمعات القادرة على النّهوض والاعتماد على ذاتها

استذكرت أن الزمن لا يتوقف والأيام ماضية للأمام وحياة الإنسان تقاس بنقطة بداية ونهاية ونجاحه معتمد على هدفه والهدف يحتاج إلى تخطيط وتنظيم الوقت هو سر نجاحه وحين نظرت في حياة العلماء ومن تميّزوا ووصلوا إلى مراتب متقدمة وجدتهم يحرصون على مسألة تنظيم أوقاتهم واستثمارها الاستثمار الأمثل ولا أشك بأّن هذه الطّريقة في استثمار وتنظيم الوقت هي سرّ نجاح أولئك رغم أنه تحدٍّ بلا شكّ وصعوبته تكمن في المتغيرات المحيطة بهم في حياتهم.

وجدت أن الكثير من المفكرين قد وضعوا الوقت كعامل أساسي من عوامل التقدم والرّقي الحضاري في المجتمعات فالناس الذين يحرصون على أوقاتهم ويحسنون استغلاله وتنظيمه هم ضمن تلك المجتمعات القادرة على النّهوض والاعتماد على ذاتها وشاهدت كما شاهد البعض على سبيل المثال وسائل المواصلات في بعض الدول كيف تصل بدقّة إلى موقف انتظار النّاس بدون تأخير وتنطلق من مكانها كذلك بدون تأخير وإغلاق المحلات التجارية في الموعد المحدد لها ضمن اتفاق محدد مسبقاً.

لكن وبعد كل ذلك فإن الوقت يبقى هو الهاجس الكبير بالنسبة لي وللكثيرين فمن ناحية العزم نحو إنجاز الأعمال المهمة وعدم تأجيلها ومن ناحية أخرى تلك المتغيرات المستمرة والمحيطة بالبيت والمجتمع بالإضافة للتطورات التكنولوجية المستمرة التي تكاد تصبح من ضروريات الحياة ولعل أهم ما يجب فعله بدايةً هو التقليل من المكوث في تلك الحياة الافتراضية والنزول إلى الواقع المليء بالأعمال المفيدة فالحياة قصيرة وسيسأل المرء عن عمره فيما أفناه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.