شعار قسم مدونات

جدلية العمل.. البطالة في القرن الحادي والعشرين

مدونات - الزراعة

إن إدراك ماهية العمل الحق هو طريق النجاة من البطالة بكافة أشكالها. العمل هو الوظيفة لغةً. أما عنه اصطلاحا فهو الجهد المبذول جسديا أو فكرياً للحصول على عائد نفعي يعود على صاحبه. والعمل قد يكون فردي ذاتي الفائدة أو جماعي كلي الفائدة وقد يكون تبادل للخدمات أو الخبرات بين طرفين أو أكثر.

للعمل أشكال وأنواع تختلف من شخص لآخر ومن القرى الصغيرة كانت عنها في المدن الصناعية والتجارية الكبيرة. العمل حكومياً يختلف عن نظيره الخاص أيضاً. ولعل أهم ما هو جدلي بطبيعة العمل هي طريقة أدائه؛ فهنا تبرز التساؤلات. هل يمكنك مقارنة الأعمال ذات الجهد البدني بأخرى تتطلب جهد فكري، وهل تعتبر الأعمال المكتبية الروتينية الأرشيفية عملاً مثلا. هل يُعتبر العائد المادي -النقدي- عائد حقيقي نفعي وكيف تطورت طبيعة العمل عبر العصور لتؤول إلى ما آلت إليه الآن.

تبدأ جدلية العمل من حيث ُ تنتهي ولا يسعني اليوم الحديث بما يضيق به صدري عنها مباشرة فهي متشعبة قديمة لذلك سأحدثك عن الزراعة -أمُ الأعمال- كمثال حقيقي تقديمي، لعلي أُتبعُ ذلك لاحقا ً إن شاء الله بعدة مقالات.

تحقيق التوازن في التعليم وتوجيه القوى العاملة لكافة القطاعات كفيل بتقليل الفائض بالقوى العاملة، بل وكفيل أيضاً بقفز البشرية خطوة إلى الأمام.

دعني أحدثك اليوم عن السبب الحقيقي لتراكم البشر العاطلين عن العمل ألا وهو التحول من التركيز على الزراعة والثروة الحيوانية في العمل والإنتاج إلى التركيز على تعليم البشر وتحويلهم لعقول جاهزة لتسيير الأمور الصناعية، والذي بدوره هو نتيجة للثورة العلمية والتي أدخلت الصناعة مجالات الحياة كافة.

تحول نسبة كبيرة من البشر عن الزراعة وتعطيلهم عنها لعقد من حياتهم خلال عملية التعليم -المدرسة-؛ أدى لوجود فائض بالقوى العاملة بالصناعة من جهة وتدهور الوضع الصحي بشكل عام لأنه وبشكل بديهي تحول الناس للبديل الصناعي من الغذاء. من جهة أخرى إن إهمال الزراعة – بالرغم من زعم الكثيرين أنها لم تُهمل بل طورت الصناعة العملية الزراعية- بالرغم من تطور بعض طرقها نتيجة للعلوم والتقنية الصناعية، إن إهمالها من حيث توجه الأفراد والجماعات للعمل بها هو العامل الرئيس للفائض بالقوى العاملة بالصناعة.

ولعل ما يحصل اليوم -نتيجة للثورة في تقنيات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والحوسبة الرقمية- من تغيير بطبيعة الأعمال هو تكرار حتمي للتجربة العمالية في أوج الثورة الصناعية من قبل، من حيثية توجيه القوى العاملة والتعليم. فتركيز رؤوس الأموال والحكومات على تطوير التعليم في قطاعات الحوسبة والصناعة وتوجيه القوى العاملة لذلك الاتجاه لا يعطي فرصة عادلة للقطاعات الأخرى والتي بالتأكيد لها الأثر الأكبر على حياتنا كبشر وإن كانت لا تدخل جميع مجالات الحياة كالحوسبة والصناعة.

قد يجادلني أحدهم بقوله أن ثورتي الصناعة والحوسبة الرقمية أضفت بُعد آخر لتطوير كافة القطاعات من ضمنها الزراعة والصحة، أقول حينها ما الفائدة من تطوير طريقة العمل بتلك القطاعات إن لم يكن هناك توجه حقيقي لتنمية المؤسسات والقوى العاملة بذلكم القطاع؟!

على كل حال وبشكل عام يشهد العالم اليوم نزوح وتوجه يتزايد مؤيدوه يوماً بعد يوم للعودة للغذاء الطبيعي. حيثُ شهدت قطاعات التعليم الزراعي نمو يذكر كمؤشر لما سبق ذكره آنفا، بالرغم من ذلك لن يتحسن الوضع إلا بتطوير البنية الاقتصادية للمجتمع وتغيير المنظومة التعليمية وإعادة توجيه أهدافها.

إن تحقيق التوازن في التعليم وتوجيه القوى العاملة لكافة القطاعات كفيل بتقليل الفائض بالقوى العاملة، بل وكفيل أيضاً بقفز البشرية خطوة إلى الأمام إن شاء الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.