شعار قسم مدونات

أصول الإرهاب في الفكر اليهودي (١)

blogs علم اسرائيل

أولا لنحمد الله كثيرا ونشكره ليلا ونهارا على أن اليهود لم يكن لهم دولة دينية منذ ألفي عام إلا في القرن العشرين، فلم يكن لهم بالتالي حكومة دينية لتعلن الحروب باسم الدين وباسم الرب على الهراطقة وأصحاب البدع، فلو كان لهم دولة لسمعنا عنها العجب العجاب، فلا يخفى على من يقرأ كتبهم الدينية وجود النصوص الواضحة والصريحة التي تحث على إعلان وشن الحروب على الكفار "غير اليهود" وقتلهم وحرقهم وخيانتهم ونكث العهود معهم.. فاليهود فقط من يستحق الحياة وباقي البشر عبيد لهم، وهو على عكس النصوص الإسلامية والمسيحية التي على الرغم من المعارك الطاحنة التي خاضتها باسم الدين إلا نصوصها الدينية لا تأمر بها بل أمرت بالسلم والحب وخطورة قتل الإنسان.

 

إن أول دولة نظامية لليهود على مر أزمانهم هي دولة إسرائيل الحديثة والمقامة حاليا على أراضي فلسطين، أما قبل هذا فكان اليهود عبارة أقليات يطردون من بلد لبلد ويحاربون في كل بلد يقيمون فيه. عندما بدأت المحاولات الجادة من اليهود في القرن التاسع عشر لإنشاء دولة دينية قومية لليهود – ولسنا هنا بصدد الحديث عن تفاصيل خطوات إنشاء هذه الدولة – يبدو أن النخبة الذين كانوا يخططون طيلة عقود لإقامة هذه الدولة بتفاصيلها لم يغفلوا ولم ينسوا الماضي المرير لأوروبا في القرون الوسطى من معارك طاحنة بين الطوائف المسيحية مما أدى لانهيار الممالك والإمبراطوريات الأوروبية اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا، فحاول هؤلاء النخبة الوصول لمعادلة تحقق السلام في دولة إسرائيل توازن بين العلمانيين والمتدينيين المتطرفين وغير المتطرفين.

 

بالتالي فإن نظام الحكم حاليا في دولة إسرائيل متوسط بين العلمانية والثيوقراطية مع ميل نحو العلمانية بحذر وحرص شديدين لقوة ونفوذ الأحزاب السياسية الدينية التي تسعى لتحويل إسرائيل لدولة ثيوقراطية تنتهج من التوراة دستور وشريعة لها، فتميل الحكومة كما ذكرنا نحو العلمانيين تارة ونحو المتدنيين تارة أخرى وقد تحاول التوفيق فيما بينهم في بعض الحالات.

 

السبب الذي خفف من حدة الخلافات الدينية اليهودية – الموجودة أصلا وبشدة بين الطوائف اليهودية- هو الحروب والنزاعات الخارجية المستمرة مع دول الجوار التي ساعدت على توحيد الصف اليهودي لمواجهة هذه الأخطار الخارجية المتمثلة بالعرب

فمثلا في موضوع الخدمة العسكرية الإجبارية للشباب تجد بعض الأحزاب الدينية المتشددة كالحريديم مثلا يرفضون الخدمة العسكرية رفضا تاما لأنهم يرون أن دراسة التوراة والكتب الدينية أهم من الأمور الدنيوية وأنها كفيلة أن تجلب السلام الروحاني في إسرائيل والذي لا يقل أهمية عن السلام العسكري وكذلك للإغراءات التي يتعرض لها الشاب الأعزب. نتيجة هذه المشكلة توصلت الحكومة الإسرائيلية لإعطاء امتيازات للحريديم في الخدمة العسكرية لتشجعيهم على الانضمام، منها على سبيل المثال تأجيل الخدمة الإجبارية للشباب من عمر ١٨ إلى عمر ٢٢ حتى يستكمل دراسته الدينية وبتخصيص كتيبة خاصة لهم أيضا تخلو من الاختلاط بالنساء، لكن هذا القانون وهذه الامتيازات سببت صدامات بين الأحزاب الدينية والعلمانية التي تصر على أن يبقى جميع اليهود بمختلف طوائفهم وأحزابهم تحت مظلة القانون وأن يعاملوا جميعا معاملة واحدة.

 

سبب آخر خفف من حدة الخلافات الدينية اليهودية – الموجودة أصلا وبشدة بين الطوائف اليهودية- هو الحروب والنزاعات الخارجية المستمرة مع دول الجوار التي ساعدت على توحيد الصف اليهودي لمواجهة هذه الأخطار الخارجية المتمثلة بالعرب، مما أشغل اليهود عن خلافاتهم الدينية العميقة المتجذرة في المجتمع اليهودي.

 

إن قراءة المشهد السياسي الإسرائيلي بأحزابه السياسية الدينية الكثيرة وزيادة نسبة التدين هناك تعطي للقارئ انطباع عام لمدى محاولة هذه الأحزاب إقحام التوراة وتعاليمه وآراء وفتاوى كبار حاخاماتهم في الأحداث السياسية وفي عمليات اتخاذ القرار السياسي.

 

إذا فالمجتمع اليهودي ودولة إسرائيل يحملان كل مقومات الإرهاب الديني على إخوانهم من نفس الديانة وعلى الإنسانية بشكل عام، فلديهم النصوص ولديهم جماعات متشددة ولديهم خلافات قديمة حول تفسير كتبهم الدينية ولديهم أيضا فتاوى مشجعة على العنف، لكن كما قلنا سابقا فإن وجود العدو الخارجي والحروب والمناوشات المستمرة مع الفلسطينيين أخفت هذه الأحقاد الداخلية مؤقتا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.