شعار قسم مدونات

في ذكرى دسوقي الرفاعي

blogs - محمد رمضان الأسطورة
الشعب المصري، وأنا منه، وفيٌ بطبعه، لا يوجد ما يمنعه من السير دائماً على خطى العظماء، بل يجاهد ويدفع من يحاول أن يثنيه عن القيام بذلك، وهو شعب يقتفي أثر الخالدين، ويبحث وينقب عنهم دائماً بين أبنائه، ويستخرجهم، ويظهرهم على الساحة، ويعلي من شأنهم، ويعرف لهم حقهم، وكان من هؤلاء الخالدين: رفاعي الدسوقي. 

من هو رفاعي الدسوقي؟! صدقاً، لا أعرفه، ولم أقرأ عنه، وكل ما أعرفه عنه: أنه شخصية قام بتمثيلها الممثل محمد رمضان في مسلسل من مسلسلات رمضان العام المنصرم! والحق يقال، فقد طغت شخصية الرجل على ما سواها، وسارت حديث الخاصة والعامة، بل وصل الأمر ببعض المتابعين بإعادة تمثيل بعض مشاهد المسلسل، وبثها على مواقع التواصل، وكما حظيت حلقات المسلسل بأعلى نسبة مشاهدة، فقد حظيت أيضا مقاطع إعادة التمثيل بنسب مشاهدة عالية، رغم فقر الإمكانات التي لم تتعد كونها؛ كاميرا الهاتف المحمول. 
والغريب أنه رغم مضي عام كامل على عرض هذا المسلسل، إلا أنه ما زال عالقاً في أذهان الناس، حتى إن البعض على مواقع التواصل الاجتماعي ذكرونا بأن قدوم رمضان يعني قرب الذكرى السنوية الأولى لوفاة رفاعي الدسوقي! هذا وإن كان من باب السخرية إلا أنه ينم عن حجم الوفاء الذي يتميز به الشعب العربي وفي القلب منه الشعب المصري! وينم عن أننا شعب يتعلق دائماً بأبطاله ولو كانوا من ورق!

وكما قال السادات: "إذا كان جمال عبد الناصر قد مات فكلنا جمال عبد الناصر"، وقوله هذا لم يكن إلا تملقاً لجماهير عبد الناصر، فحين وجد نفسه مكبل اليدين، ولا يملك ما يواجه به ما يسمى بمجلس قيادة الثورة في ذلك الوقت، لم يجد ما يسعفه في صراع النفوذ هذا إلا جماهير عبد الناصر، وقد كانت له مثلما كانت لغيره.

لأننا شعب وفي كما أسلفت، فما زال عبد الناصر ذلك البطل المغوار؛ الذي كافح، وأسس، وبنى وأمم و…. إلخ، والناصريون يشهدون بذلك وهم أنفسهم دليل على هذه الإنجازات، ومن علامتها أيضا.

وكما كان القول واجبا في عصر ما؛ بكلنا جمال عبد الناصر، فإنه قد وجب القول الأن؛ بكلنا رفاعي الدسوقي، فالرجل _حسب ما سمعت_ كان يمتلك ورشة حدادة في منطقة شعبية، ولأنه كان يتحمل الأعباء المالية لأسرته الكبيرة بعد وفاة والده، أضف إلى ذلك؛ شقيقه الذي كان يدرس في كلية الحقوق على أمل أن يكون وكيلاً للنيابة بعد التخرج، فقد لجأ الرجل إلى تصنيع السلاح وبيعه ليحسن دخله، ويكفل لأسرته عيشاً كريما! و…… إلى آخر القصة.

وما بين عبد الناصر ورفاعي الدسوقي تتقارب الرؤى، فالأول قد أوهم الناس أنه وحده الذي يحمل هم العروبة على عاتقه، وأنه يناضل من أجل تحرر الشعوب من قيد الاستعمار، وأن معارضيه يقفون عقبة في طريق تحقيق أحلامه وطموحاته التي هي بالضرورة أحلام وطموحات الشعب المصري، فكان على الرجل أن يذلل العقبات ويسخر الجهود لهذه الغاية، لكن على طريقته الخاصة والتي لا تخفى على أحد، وقد كان له ما أراد ولم يكن للشعب شيءٌ مما أراد! ولأننا شعب وفي كما أسلفت، فما زال عبد الناصر ذلك البطل المغوار؛ الذي كافح، وأسس، وبنى وأمم و…. إلخ، والناصريون يشهدون بذلك وهم أنفسهم دليل على هذه الإنجازات، ومن علامتها أيضا.

وأما الدسوقي فكما عَلِمنا الرجل؛ فقد كان له في العائلة والظروف أعذارا أحلت له صناعة السلاح والمتاجرة فيه، وكما أقنعت الأغاني الوطنية وحدها -والتي كانت تغنى بالإكراه أحيانا- الشعب المصري في في عصر عبد الناصر؛ أن قائده على الطريق الصحيح، وسيكمل حتى يحرر الأرض ويقضي على ما يسمى بإسرائيل، فإن ما هو أقل منها تكلفة مع بعض الدموع المصطنعة، أقنعنا أن رفاعي الدسوقي على الطريق الصحيح، وما كان من شذوذ فإنه قد فرض عليه فرضاً ولم يكن بإرادته، فصار الرجل رمزاً وزعيما يقتدى به! 

ربما من سبقونا كانوا معذورين إذ لم يكن لديهم من وسائل الإعلام إلا ما كان ملكاً لليد التي تبطش، فأقنعتهم بما أرادت، وأما نحن فما هو عذرنا لكي نبقى بهذه العقلية السهلة دائما، التي تستجيب وبسرعة لكل طارق وإن كانت لا تثق فيه.

وكما صار الناصريون على خطى عبد الناصر، وكانوا بعده دليل براءة لكل يد تبطش باسم الدولة، كما كانوا في عهده أداة تبرر كل ما يقوم به الزعيم المفدى حامي الأرض وصائن العرض، فقد صارت جماهير رفاعي على خطاه أيضاً وخطى كل عائلة الدسوقي، ولنا ولكم فيما حدث في محافظة الفيوم مثال على ذلك، فقد قرأنا وشاهدنا أن عائلة قد فعلت بشاب مثلما فعل شقيق رفاعي الدسوقي بشاب قام بتصوير زوجته ونشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، ورأينا قصات الشعر، وطريقة تهذيب اللحي، والتي انتشرت كالنار في الهشيم، وعلى مدار العام تحاكى الناس بعائلة الدسوقي، حتى شعرنا بوجودهم الحقيقي في حياتنا، وليس بحكم التشابه بين الأحداث والواقع.

لا أعرف ما هذا الخلط السابق، ولكني أثق برؤيتي دائماً، فأنا أجد هذا التشابه الكبير بين جماهير عبد الناصر وجماهير رفاعي الدسوقي، وربما لم أحسن توضيح أوجه هذا التشابه، إلا أني أجد أن الشعب الذي كان في منتصف القرن العشرين وقد ضللته الآلة الإعلامية، والخطب الرنانة، والكذب بسبب وبدون سبب، وانساق هو بدوره أمامها وكان لها الوقود، هو نفسه هذا الشعب الذي يوجد الآن في القرن الحادي والعشرين وما زال خاضعاً لوسائل الإعلام بنفس عقليته الخصبة دائماً، والتي تنثر فيها ما تشاء من أفكار، ليكون الثمار عقولا كما تشاء.

ربما من سبقونا كانوا معذورين إذ لم يكن لديهم من وسائل الإعلام إلا ما كان ملكاً لليد التي تبطش، فأقنعتهم بما أرادت، وأما نحن فما هو عذرنا لكي نبقى بهذه العقلية السهلة دائما، التي تستجيب وبسرعة لكل طارق وإن كانت لا تثق فيه، والحقيقة أنه كلما خُيل للبعض أننا صرنا على دراية ووعي بما يحدث حولنا إلا أنه لا يعدو كونه خيال ووهم، وما تثبته الأيام دائماً في كل اختبار: أننا لسنا على استعداد، أو ربما هناك أمل لكن على المدى البعيد.

على كلٍ، لا تجعلوا أهمية الموضوع، وفرحتنا بقدوم رمضان، ينسينا اقتراب الذكرى السنوية الأولى لوفاة رفاعي الدسوقي!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.