شعار قسم مدونات

التاريخ ليس تاريخاً ساكناً

blogs كتب تاريخية

إن الذاكرة التاريخية والامتداد التاريخي يعطي انطباع عن الواقع واحتمالات كبيرة جدا للمستقبل. فإن أمة من الأمم راكمت نجاحات عبر تاريخها وحصلت لها كبوة معينه أو ضعف معين فالصورة الذهنية لهذه الأمة تعود إلى سابق عهدها بنسبة عالية جدا بينما أمة ليس لها حضارة أطلاقا ليس لها انجازات في السابق توقعاتنا أقل لهذه الأمة أن تضيف شيء للمستقبل.

فالتاريخ بشكل عام يعطي تصور وتوقعات في الحاضر ويعطي إمكانية لتصور المستقبل بدرجة من الدرجات لكن هذا ليس فقط المجال الوحيد في التاريخ، التاريخ أيضا له تأثير كبير جدا في قضية التنشئة الاجتماعية، اليوم نحن نتكلم عن التنشئة الوطنية والتربية السياسية، من أين تأتي فكرة التنشئة الوطنية؟ تأتي من حكاية تاريخ الوطن فنحن نروي لأبناء هذه الأمة أو الوطن ماذا أنجز أباءهم ماذا أنجز الأقدمين، ما الذي يفعله ذلك فيهم؟، نحن نورثهم الموضوع الاجتماعي الذي ورثته أمتهم والأمر الأخر نخلق لهم تصور وانطباع أنهم ليس سقطا من المتاع ليس شيئا مهملا، سيعرفون إنجازات تمت في ماضيهم وأنهم يمكنهم أن ينجزوا في المستقبل.

نخلق لهم هوية وولاء للمنطقة التي يعيشون فيها وانتماء لهذه الأمة والتاريخ وإذا نظرنا في جزئيات التاريخ ليس فقط متعلق بهاتين القضيتين وإنما مهم أيضا في تكوين الذكرة التاريخية والهوية والانتماء لهذا التاريخ.

هناك مسائل كبيرة جدا في التاريخ منها قضية بقاء المجتمعات، بمعنى إذا أردنا أن نتكلم عن قضية التاريخ بشكل موضوعي "القرآن الكريم" يكلمنا عن قضية مهمة جدا قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ) ويحدثنا كذلك (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) ماذا تعني قضية لأولى الالباب؟ تعني أن هناك أحداث تاريخية ممكن الاستفادة منها في الحاضر والمستقبل، هنا تأتي العبرة نأخذ قانون عام في لحظة سقوط أو لحظة ضعف أو لحظة انكسار كانت الأمة فيها سيئة، فنذكر أن لو ارتكبنا نفس الاخطاء أو نفس الأزمات سننتج نفس النتائج فالمستقبل سيعالج بطريقة أخرى مختلفة.

التاريخ عندما تنظر إليه المجتمعات ليس تاريخ ساكن بمعنى أنه حدث ومضى أنما هو حاضر نعيشه لأن الحاضر هو امتداد لهذا الماضي وهو المستقبل الذي سنعيشه لأننا سنخطط بناءآ على هذه الذاكرة التاريخية

عندما ندرس التاريخ ونهتم بالتاريخ نستطيع أن نعزز عند الإنسان قدرته العقلية في الاستنتاج والبحث وفي النقد للتاريخ ونعزز انطباعاته عن ذاته في الواقع وإمكانياته في المستقبل هذه هي قوة التاريخ وجذوره.

التاريخ فيه السياسة والاقتصاد والاجتماع وفية أيضا الذاكرة العلمية المعرفية للبشرية التي تظافرت عبر العصور عندما تأتي أمة من الأمم وتريد أن تعرف تاريخها وانتصاراتها العسكرية والأداء السياسية والاقتصادي والاجتماعي والنسيج البشري كيف تكون فيجب لكل أمة أن تعود الى هذا الوعاء الكبير التي تم فيه التفاعلات البشرية وأيضا إذا أرادت أن تعرف علاقتها بالأمم الأخرى ستكون مضطرة للعودة إلى التاريخ، ما الذي حدث تاريخيا بينها وبين الأمم الأخرى.

إذآ التاريخ عندما تنظر إليه المجتمعات ليس تاريخ ساكن بمعنى أنه حدث ومضى أنما هو حاضر نعيشه لأن الحاضر هو امتداد لهذا الماضي وهو المستقبل الذي سنعيشه لأننا سنخطط بناءآ على هذه الذاكرة التاريخية، التاريخ هو جزء من أي شخصية بل مكون أساسي، التاريخ مهم في التنشئة الوطنية في قضية الصراعات وصناعة المستقبل والتخطيط له. إذآ التاريخ مهم جدا لهذه الزوايا الثلاثة. 

التنشئة المجتمعية تأتي من دراسة الكتب التي ندرسها عن تاريخنا وهذه الكتب تحدثنا عن كيفية بناء الشخصية من خلال دراسة كتب التربية والاجتماع والتاريخ وأيضا العلوم الشرعية والهدف من هذا التكوين هناك مجموعة رسائل أن هذه المجتمعات مجتمعات تستحق الحياة كان لها تاريخ كان لها ماضي عزيز وكريم وأبنائها يستحقون مكانة أفضل مما هم عليه وعليهم أن يعملوا في المستقبل من أجل تعزيز هذه المكانة.

 

عندما يشعر أي إنسان أنه متجذر في الأرض وأنه صاحب عطاء تاريخي، قدرته على الفعل والاستنهاض غير الإنسان الذي يشعر أنه مهزوم تاريخيا

هذا البعث النفسي التي تحاول هذه الدروس والكتب والدراسات أن تقوم به، التاريخ له دور كبير جدا فهناك التاريخ الكبير والتاريخ الصغير، التاريخ الكبير هو تاريخ الانتصارات والفتوحات العلمية وتاريخ مشاركة الأمة في الحضارة البشرية، هذه المعاني الكبيرة عندما يأخذها أي شخص ويتشربها يصبح عنده نزوع طبيعي لحب الأمة والهوية، فالمجتمعات تحاول أن تصنع وعي إيجابي وتعمق الإحساس بالذات، فشعور المجتمع بذاته عنصر أساسي من أجل تكوين المستقبل.

 

نحن أمة لها من الذاكرة التاريخية الكثير فإذا استعنا بالجانب الإيجابي من التاريخ العربي والإسلامي لبعث النفسية وليس لإخماد جدوة الفعل للمستقبل إذا أحسنا التعامل مع التاريخ نستطيع أن نخلق نفسية بشرية جبارة وشرعية وهما قضيتان أساسيتان عندما يشعر أي إنسان أنه متجذر في الأرض وأنه صاحب عطاء تاريخي، قدرته على الفعل والاستنهاض غير الإنسان الذي يشعر أنه مهزوم تاريخيا. إذآ صناعة المستقبل معتمدة على أمة حية تشعر بذاتها فصناعة النفسية تساعد كثيرا في فاعلية الإنسان. أستطيع أن أقول أن أي أمة بلا تاريخ هي بلا مستقبل وأن الماضي والحاضر والمستقبل خط واحد متصل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.