شعار قسم مدونات

إجهاض ثورات الربيع العربي

blogs - الثورة

لم يكن من المتوقع أن ينتهي الربيع العربي بهذه السرعة. أو أن ينحسر انتشاره في بقية الدول، بعد أن راهن الجميع على انتشاره وتوسعهُ ليشمل كل الدول العربية. كما لم يتوقع أحد أن تتحول بعض الثورات إلى صراعات عسكرية. وأن تنشب ثورات مضادةً ضد الثورات الأخرى. وأن يدخل العالم العربي حالةً جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار والحروب الطائفية التي كانت في البدء ثورات مطالبةً بالديمقراطية والعدالة. إلا أن الأنظمة العربية نجحت في تحويلها إلى ما هي عليه الآن بهدف القضاء عليها وإجهاضها. مستخدمةً في ذلك عدة أساليب، منها:

عسكرة الثورات وإضفاء الطابع الإرهابي لها:
بعد فشل الأنظمة العربية في القضاء على الثورات التي خرجت بهدف إسقاطها عبر الوسائل التقليدية التي تمارسها منذ نشأتها كالاعتقالات والتعذيب وترهيب الناس عسكرياً وأمنياً. باتت تفكر في طريقةٍ لتحويل تلك الثورات من ثوراتٍ شعبية إلى صراعات عسكرية مع الشعب ذاته، تبرر من خلالها جرائمها بحقه. وكانت الطريقة الوحيدة لإحداث ذلك هي استخدام العنف المفرط بحق الشعب عن طريق زج الجيش في الصراع.

 

شكلت الثورات المضادة والانقلابات العسكرية ضربةً عنيفة جداً للثورات العربية التي نجحت في خلع وإسقاط الأنظمة الحاكمة في بعض الدول. كما أعادت تلك الدول إلى ما كانت عليه قبل الثورة

وبالتالي لم يكن من السهل على الشعب مواجهة تلك القوة بمفرده، واستمرار سلمية ثورته. وكان حينها من الضروري وجودة قوة قادرة على حماية الشعب وثورته من بطش وعنف الأنظمة. وما لبس أن تحوّل الأمر إلى صراع عسكري مباشر معه كما أرادت لهُ أن يكون. وبالتالي نجحت في تحييد الشعب الذي يعتبر الورقة الأقوى في الثورة جانباً، وتحويل الثورة إلى صراع مسلح مع تلك الفصائل التي تُحاول جعلها – إعلامياً – فصائل إرهابية متشددة بهدف كسب تأييد دولي في محاربتها والقضاء عليها من أجل، كما تدعي تلك الأنظمة، ضمان عدم انتشارها وتوسعها في المنقطة. ومن أجل ألا تُشكل أيضاً خطراً مباشراً على الدول الأوربية التي تكن عداءً واضحاً للجماعات الإرهابية المتشددة في المنطقة.

 

وتعتبر هذه الوسيلة من أبرز الوسائل التي أخرت نجاح عدداً من الثورات العربية، كالثورة السورية. بالإضافة إلى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية التي جعلت عدداً من الدول تعيد دراسة مواقفها من الثورة. كما بات التنظيم ورقة قويةً في يد النظام السوري الذي خيّرَ الأوربيين بينه وبين التنظيم الإرهابي. أي بين السيء والأسوأ. 

الثورات المضادّة والانقلابات العسكرية:
شكلت الثورات المضادة والانقلابات العسكرية ضربةً عنيفة جداً للثورات العربية التي نجحت في خلع وإسقاط الأنظمة الحاكمة في بعض الدول. كما أعادت تلك الدول إلى ما كانت عليه قبل الثورة. تماماً كما حدث في مصر. حيث أعاد الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب شرعياً من قبل الشعب "محمد مرسي" مصر إلى ما كانت عليه قبل ثورة يناير. وعادت من جديد إلى الساحة المصرية سياسة القمع والعزل وتهميش الشعب وإضعافه بحيث لا يتمكن من قيادة ثورة جديدة ضدّه. تماماً كما لو أنّ ثورة لم تحدث. بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية في مصر بعد ذلك الانقلاب الذي اتضح لاحقاً أنهُ مدعوم من عدّة دول أجنبية وعربية تكنّ عداءً واضحاً لثورات الربيع العربي، وتحاول إجهاضها.

إن الخوف الشعبي في بعض الدول من ملاقاة ذات المصير الذي لاقتهُ الثورة المصرية، بالإضافة إلى الوصول إلى صراع عسكري كما هو الحال في سورية، حال دون توسع وانتشار الربيع العربي

الأمر أيضاً ذاتهُ حدث في اليمن. حيث قامت ميلشيات الحوثي بدعم من الرئيس اليمني المخلوع وعدّة دول بانقلاب عسكري ضد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. والاستيلاء على السلطة باليمن. وبالتالي القضاء على الثورة اليمنية وإجهاضها بقوة السلاح. كما تؤكد عدّة دلائل تورط دولة عربية في دعم نظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والحوثيين في انقلابهم. 

وهذا أيضاً ما يحدث في ليبيا، حيث يقود اللواء خليفة حفتر ثورة مضادةً وصراعاً عسكرياً ضد الفصائل التي ساهمت في إسقاط نظام الرئيس معمر القذافي. وهنا لنفس الدولة العربية دور أيضاً، حيث أنها تدعم وبشكلٍ واضح اللواء حفتر في معركته ضد الفصائل التي يُطلق عليها "الميلشيات الإرهابية". وبالتالي إجهاض الثورة الليبية أيضاً. بدعمٍ واضح منها.

ما ذكرناه سابقاً جعل من انتشار وتوسع ثورات الربيع العربي أمراً صعباً للغاية. لأنّ الخوف الشعبي في بعض الدول من ملاقاة ذات المصير الذي لاقتهُ الثورة المصرية، بالإضافة إلى الوصول إلى صراع عسكري كما هو الحال في سورية، حال دون توسع وانتشار الربيع العربي الذي نجحت الأنظمة العربية في تحويله إلى صراع دموي وأهلي وطائفي أيضاً، من أجل إجهاض ثوراته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.