شعار قسم مدونات

وطني المغتصب.. أنينك يوجعني

مدونات - المغرب

فقدت الحياة في المغرب كل مقوماتها ولذيذ عيشها وقيمة الإنسان فيها عندما ضاع الشرف وفقدت المبادئ وماتت الفضيلة، عندما أصبح القتل شجاعة، والرشوة مباحة، والكذب طريقة للحياة والعمالة للأجنبي شطارة، والسرقة رجولة، في زمن أصبح الكذب فيه هو اللغة الرسمية، والخيانة واقعية، ونذالة السياسيين تصرفات طبيعية، والدجل هي الطريقة المثلى لأصحاب العمائم واللحى.

 

رفعت الغيرة وانتهى دور الوطن والوطنية. فكيف لك أن تكون وطنياً في بلد يحكمه القتلة والمجرمون واللصوص والمستبدون، فالوطنية الحقيقية لا تنمو وتزدهر لتثمر أمنا واستقرارا ورخاء، إلا إذا تنفست نسائم الحرية، وكانت عامرة بالأحرار والشرفاء في ظل الديمقراطية والحكم الرشيد، وصدق الفيلسوف جالينوس حين قال: "يتروح العليل بنسيم أرضه، كما تتروح الأرض الجدبة ببلل المطر."

 

والطغاة لا يصنعون لا موطنين ولا أناساً وطنيين، بل يصنعون منافقين وكذابين ومرائين. وبما أن النظام المخزني في المغرب اعتاد على فرض كل شيء في البلاد بالقوة والبلطجة الأمنية، فقد ظهرت لنا أجيال وأجيال من المغاربة تقول عكس ما تضمر توخياً للسلامة. 

لهذا أصبح النفاق ديدن الكثير من المغاربة، فغابت الوطنية الحقة، وأصبح الكذب والدوران والفبركة والتظاهر بالوطنية شعار المرحلة. وقد ظل الكثير من المغاربة، وخاصة لاعقي أحذية النظام المخزني، ظلوا ملتزمين بممارسة النفاق رغم أن غالبية المغاربة داخل وخارج أرض الوطن حطموا جدار الصمت ودفعوا ثمناً غالياً.

كلنا سماسرة نبحث عن مصالحنا، وأخر ما نفكر به، وأخر ما نتذكره هو أنت يا وطني المكسور مثل عشبة القمح أيام الخريف، كم من جراح أنت تحتمل وكم من آسى يبيت فيك، ويعزف أنشودة الأمل الضائع ويصيح فيك دون انقطاع

ألسنا نعيش اليوم أكثر مراحل تاريخنا بؤسا وتخلفا وظلاما وقهرا، بسبب تكالب الخارج والداخل علينا، أليس اليوم هو يوم اللصوص والدجل وبيع الكلام على السذج أليس اليوم هو يوم العملاء سافرين بدون حياء؟ أليس اليوم يحكمنا الأمي والدجال؟ 

لمن ننادي ونصرخ لجماعة من المفسدين تركت الشرف في حمامات أوروبا ولمن ندعو لمن باع الشرف ببعض دولارات حتى أصبحت دمائنا أرخص من مياه الصرف الصحي؟ لمن ننادي وقد سرقونا وباعونا وهجرونا واغتصبونا واعتقلونا وفعلوا كلما أرادوا بل وأكثر.. نعم لقد نجحتم أيها الفاسدون في قطع لساننا وتمزيق شراييننا وتحويل المغرب إلى مزرعة لكم ولكلابكم وقططكم. ونصبتّم أنفسكم أسيادا وجعلتم فقراء وطني عبيدا وقطاريز لكم، بعتم الوطن بثمن بخس، واليوم تقفون بكل وقاحة وتتحدثون عن الوطنية وتعقدون مجالسكم وكأنكم أهل الدار بعد أن خربتموها وسرقتموها وعثتم فيها فسادا بل ولقد ملأتموها بقاذوراتكم. 

الناس في وطني باتوا أسرى هزائمهم في حروبهم اليومية ضد همومهم الحياتية، فالمواطن المغربي محدودب ظهر من أحمال ثقيلة ألقت بها الحكومات ومجالس النواب المتعاقبة على ظهره بحجة الأزمات الاقتصادية التي كان لهم اليد الطولي في وجودها فلم تجد بدّآ لستر عجزها إلا بفرض مزيد من الضرائب ورفع الأسعار عليه، يضربونه أكثر ما يطعمونه، أفقدوه القدرة على أن يذهب بأحلامه أبعد من السلع التموينية والحليب القليل والماء الشحيح رغم تلوثه، أو البحث عن فرصة عمل كريمة. 

أنا لم أرَ في مغرب اليوم إلا أبطالاً في قبور ولصوصاً في قصور، وأغنياء على ذل الفقراء يغتنون، وحكاماً على جثث الناس يرقصون، ونواباً لا يتغيرون، ووزراءَ في مواضيع الإنشاء يتنافسون، وبعد الموت يظلون يبتلعون، وبالدين يقتلون ويكفرون، وغباء بالجملة، وقطعاناً يسيرون، في ظل نظام مخزني يقوم على قمع الشعب في الداخل، وإبقائه على الجهل والتخلف حتى يستمر في منصبه، وتكييف العلوم وبلورتها بما يتناسب مع أيدولوجيته، تشكيل الشعب بقالب معين، وتدجينه وفق أيدلوجية معينة، محاربة المنطق وتكفير المناطقة، إشغال الشعب بعدو وهمي أو أسطوري، أو إيهامه بعدو ما وتحميسه ضد هذا العدو، استغلال الدين لتثبيت حكمه، إبقاء الشعب المغربي في حالة فقر وعوز دائمين حتى يكدح الشعب وينشغل بطلب العيش عن طلب الترؤس، نشر الرذيلة والعهر في المجتمع، تفكيك المجتمع أسرياً وقبلياً. 

أنا لم أعرف إلا مغربا بلا كهرباء وبلا مياه وبلا دولة، أخبارنا طقس ماطر أغرق البلاد وإعلام على هرج ومرج، فنانات وعاهرات ومسلسلات بلا معنى لا مغزى. أنا عرفت شهداء وشجوناً وأحزاناً وشجعاناً يُغتالون. أنا رأيت وهماً صدّقناه أسموه حرية، جعلناه "حرية كارثية"، ورأيت شعارات جديدة وهتافات جديدة وبألوان قاتمة وبهزائم جديدة. أنا رأيت مدارس لا تدرّس، وجامعات لا تجمع، رأيت متاريسَ وطوائفَ وأسلحةً وأبناءَ وطن واحد يَنهش بعضُهم بعضاً. والجميع يتفرجون والأمم تضحك. رأيت الإنسان هنا يرخص ويعلو كل شيء عداه ويموت، فيُنسى أسرع من الموت رأيت العرّافين يتسلّلون إلى بيوتنا ليحيكوا لنا قدراً أو ربما وطناً ما…

مغرب الحبيب، لقد ذبحوك من الوريد إلى الوريد، لقد جففوا ينابيعك بحقدهم وحرقوا حقولك بشرورهم مصّوا دمك، وأكلوا لحمك وشحمك ولم يبقوا لك إلا الجلد والعظم، باسم الله شوهوك، باسم الحب قتلوك، وباعوا ترابك وهواءك وماءك وكبرياءك ومع ذلك يصفقون لك وينشدون عاش الوطن، يقتلني كذبهم ويزلزلني دجلهم أولئك الذين جيوبهم مع الوطن وسيوفهم على الوطن، يغنوّن للوطن ويقبضون الثمن يحرقون الوطن ويقبضون الثمن.

كيف لنا أن نعبر عن محنتنا، وأملنا في الغد المتمثل في شبابنا الممتلئين حياة وغيرة ونشاط وشجاعة وعطاءاً يموتون هم أيضا، بلا مقاتلة، ولا مناضلة، لأن البطالة والمحسوبية وإغلاق كل الأبواب في وجوههم امتص منهم الحق في الحياة قليلا قليلا، حتى تركهم جثثا حية، وهم في ريعان الشباب، والقوة، والحيوية، بعد أن تعذر عليهم العمل والزواج والحب وحرموا حتى من حقهم في الحلم بهذه الحقوق البسيطة.

الوطن أن يحتاجنا لا أن نحتاجه، الوطن أن يبكينا لا أن نبكيه، وأن ينتمي إلينا لا أن ننتمي إليه، أن يشهدَ بنا لا أن نشهدَ به، أن يضمّنا بعد الموت لا أن نضمّه ميتاً بعد أن اغتالته أيادي الآثمين ممن يحملون أرقاما وطنية وجوازات سفر حمراء

فأين أنت يا مغرب أين رجالك وأين أبطالك المخلصين، بل أين الرجال الذين كنا نعدهم من الرجال؟، كلنا متحآلفون عليك يا وطني لأننا لم نلتزم حب الوطن وغرقنا في صمتنا، وتركناك في مستنقع الفساد كل هذه العقود، إذن كلنا فاسدون بكذبنا بنفاقنا بصمتنا بدجلنا..

 

كلنا سماسرة نبحث عن مصالحنا، وأخر ما نفكر به، وأخر ما نتذكره هو أنت يا وطني المكسور مثل عشبة القمح أيام الخريف، كم من جراح أنت تحتمل وكم من آسى يبيت فيك، ويعزف أنشودة الأمل الضائع ويصيح فيك دون انقطاع، اختلطت كل الخيوط، فلا أحد أصبح يعرف على وجه التحديد تعريفا لهذا المآزق، أهو الكبت السياسي فقط أم الغضب المكتوم، أم الفساد والبطالة، أما صبر أيوب، أم افتراء المفتري، أم الفقر والعذاب، والمرض، أم هو الحرمان، أم القسوة، والظلم، أم هو التبلد أم هو كل هذه المتناقضات، في خليط مبتكر عجيب يجسد ما آلت إليه الشخصية المغربية، من الكراهية المستترة، اليأس والأقدام، الرضوخ والتمرد، الضعف والقوة؟!

إن الوطن يا أصدقاء ألا يحدث لنا كل هذا، الوطن أن يحتاجنا لا أن نحتاجه، الوطن أن يبكينا لا أن نبكيه، وأن ينتمي إلينا لا أن ننتمي إليه، أن يشهدَ بنا لا أن نشهدَ به، أن يضمّنا بعد الموت لا أن نضمّه ميتاً بعد أن اغتالته أيادي الآثمين ممن يحملون أرقاما وطنية وجوازات سفر حمراء.. ها أنا أنعي إليكم وطني الذبيح أرجوكم أن تزرعوا درب المقبرة بالورد والياسمين فالوطن لم يعد بعد اليوم له وجود بين الأحياء، سامحونا إن صرخنا ورفضنا كل شيء، وكسرنا كل قيد، فقوة القمع في وطني أرهبتنا سامحونا فحب الوطن لعنة تطاردنا..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.