شعار قسم مدونات

مدن تحت النار والحصار

Members of federal police walk in a destroyed building at Bab al Jadid district in the old city of Mosul, Iraq, June 1, 2017. REUTERS/Alaa Al-Marjani TPX IMAGES OF THE DAY
منذ اجتياح جيش الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003م، وتشكلت القوات الحكومية التي يشكل مليشيا فيلق بدر نواتها عندما أشرف جيمس استيل على تشكيل هذه القوات بطابع طائفي للتصدي للمقاومة العراقية التي كانت سُنِيَةً خالصا، وكانت مناطق حزام بغداد تشكل أحد أهم وأقوى معاقل المقاومة لكون حزام بغداد سني بالكامل، وتصاعدت فيها أعمال المقاومة بشكل متزايد حتى جعلت جيش الاحتلال الأمريكي يتخبط وأوشك على أن يخر صريعا إلى الأبد.

بدأ جيمس استيل بزج القوات الحكومية كان أهمها لواء الذئب والقوات الخاصة للشرطة المعروفة بمغاوير الداخلية التي كانت مليشيا فيلق بدر نواتها وطفقت باقي المليشيا بالانخراط في هذه القوات محملة بالحقد الطائفي ومدعومة من إيران التي كانت دربتها مسبقا قبل احتلال العراق عام 2003، وكذلك مدعومة ومساندة من قبل جيش الاحتلال الأمريكي الذي كلف جيمس ستيل بمواجهة المقاومة العراقية في عدد من حواضن المقاومة في المناطق السنية، وكان حزام بغداد من بين هذه المناطق المستهدفة من قبل القوات الحكومية والمليشيات.
 
فقد شنت حملات تصفية طالت مناطق حزام بغداد بشكل رهيب، جعل من شوارع بغداد مكانا ممتلئا بجثث الشهداء المغدورين من المكون السني الذي وقع تحت ضربات قوات طائفية مدعومة دوليا، هدفها تفكيك النسيج الاجتماعي لهذه المناطق، وكذلك تصفية سكانها بالقتل والزج في السجون السرية مثل سجن الجادرية سيئ الصيت والسجون العلنية مثل سجن الكاظمية وسجن التاجي وغيرها من السجون التي تملأ العراق والتي خصصت أغلبها لتصفية السنة لأنهم قاوموا الاحتلال الأمريكي.

لما آلت رئاسة الوزراء إلى نوري المالكي حتى تصاعدت عمليات قتل واعتقال وتهجير سكان حزام بغداد بشكل أشد، وأصبحت مناطق حزام بغداد تحت سيطرة مليشيات تابعة لأحزاب شيعية وانتشرت فيها فرق الموت.

وما إن تولى إبراهيم الجعفري رئاسة الوزراء حتى ازداد الهجوم والتصفية الطائفية في بغداد، وأصبحت تطال أهل السنة في محاولة لاقتلاع جذورهم واجتثاثهم من مناطقهم وتوطين أشخاص غيرهم على غرار الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة، فقد اعترف إبراهيم الجعفري أنه فقط في فترة حكمه القصيرة منح مليون ونصف مليون جنسية لأشخاص إيرانيين تم إسكانهم في مناطق جنوب ووسط العراق، وكذلك حزام بغداد بعدما هجرت أعداد كبيرة من العوائل السنية من مناطقها واستولوا على منازلهم وما تحتويه من ممتلكات وحولت هذه المنازل بأسماء المستوطنين الإيرانيين المجنسين حديثا وكذلك أشخاص من شيعة جنوب العراق جرى توطينهم في مناطق حزام بغداد بغية تغيير التركيبة السكانية في مناطق بغداد وإفراغها من السنة.

تحدث لي أبو مصطفى وهو من أبناء عمومتي هجر من قضاء الطارمية عام 2006، أن قوات لواء الذئب قامت باعتقاله في بداية عام 2006، ونقلته لأحد مقراتها، وهناك تمت مساومته إما أن يترك منزله بما يحتويه من ممتلكات ويغادر المنطقة، أو يتم تصفيته وتصفية باقي أفراد العائلة.. وافق أبو مصطفى على مغادرة منزله وأخذ منه كل الوثائق التي تثبت أن له منزلا وأراضي زراعية في الطارمية، وانتقل للعيش في محافظة الأنبار فرارا بعائلته من بطش المليشيات المتمثلة في لواء الذئب التابع للحكومة والذي ارتكب جرائم بحق السنة لا تحصى ولا تعد، وهنا يطرح سؤال كم شخصا مثل حالة أبو مصطفى تم تهجيره من حزام بغداد ومناطق أخرى.

وما إن آلت رئاسة الوزراء إلى نوري المالكي حتى تصاعدت عمليات قتل واعتقال وتهجير سكان حزام بغداد بشكل أشد من ذي قبل، وأصبحت مناطق حزام بغداد تحت سيطرة مليشيات تابعة لأحزاب شيعية وانتشرت فيها فرق الموت التي كانت تخطف بشكل يومي مجموعة من الرجال السنة، وخصوصا الشباب وثم بعد يوم أو يومين توجد جثثهم وهم مغدورين في حاويات القمامة أو على قارعة الطريق ملقاة، وهناك في إحدى المناطق النائية في بغداد توجد مقبرة جماعية تضم عددا من الشهداء المغدورين تم تصفيتهم من قبل فرق الموت، وكذلك منطقة السدة في مدينة الثورة المعروفة حاليا بمنطقة الصدر التي نشط فيها مليشيا جيش المهدي المعروف حاليا بسرايا السلام التي يقودها رجل دين الشيعي مقتدى التي قتلت وما زالت تقتل وتخفي المغدورين خلف السدة التي أصبحت تعرف بسدة الموت لكثرة السنة الذي غدروا في ذلك المكان على يد مليشيا جيش المهدي الذي تشكلت نواته في إيران قبل احتلال العراق.

ما يحصل في حزام بغداد هي جراء ضد الإنسانية وهي أشد جرائم الحرب التي يشهدها القرن الواحد والعشرون الحالي،  جزء من خطة تهدف لتغيير التركيبة السكانية لمناطق حزام بغداد.

ثم تواصلت عمليات الانتقام من سكان حزام بغداد خلال ولايتي حكم المالكي الذي أغرق البلد ببحور من الدماء التي تجري بغزارة في ظل الفوضى التي تضرب أطناب الوطن من أقصاه إلى أقصاه، وما إن وصلت رئاسة الوزراء لحيدر العبادي حتى واصل نفس النهج الطائفي بقتل وتهجير وخطف السنة من حزام بغداد وإخفاء عدد كبير من شباب سكان حزام بغداد، ولم يعرف مصيرهم إن كانوا أحياء أم أموات فهذا النهج الطائفي توارثه رؤساء وزراء حكومة الاحتلال لتواصل قتلها للسنة.

وفي آخر قرار قامت مليشيا الحشد بإجبار سكان الطارمية في حزام بغداد على الانضمام لمليشيا الحشد من دون تسليح لما يعرف باسم الحشد الإجباري، وكل من يرفض الانضمام للحشد الإجباري يرحل مع عائلته خارج القضاء.

إن ما يحصل في حزام بغداد هي جراء ضد الإنسانية وهي أشد جرائم الحرب التي يشهدها القرن الواحد والعشرون الحالي، فالقتل والتهجير والخطف وتفجير المنازل ومحاصرة المدن ومنع دخول المواد الغذائية لها وحتى فرض حضر التجوال لأيام متتالية عديدة، وتسليم المناطق للمليشيات كلها جزء من خطة تهدف لتغيير التركيبة السكانية لمناطق حزام بغداد التي أضحت مناطق تحت النار والحصار والحكومة هي في طليعة من يفتك بهذه المناطق السنية والعالم يتفرج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.