شعار قسم مدونات

براغماتية الحركة الإسلامية من الزهار إلى بني ارشيد

blogs الحركات الإسلامية

الحركة الإسلامية في مأزق ليس بالسهل، سواء حركة إسلامية مقاومة أم حركة إسلامية معارضة مسالمة، والحركة الإسلامية في المشرق العربي بالذات، بخلاف الحركة الإسلامية في المغرب العربي، والسبب هو الجو السياسي المشحون في الشرق لوجود دولة إسرائيل حيث بقاؤها ونماؤها واتساعها هدف يجب تحقيقه من قبل القوى العظمى في العالم، واستتبع هذه الرغبة رغبة دول عربية وإسلامية، رأت في بقاء إسرائيل ووقوف الحليف الأمريكي المباشر، والحليف الأوروبي غير المباشر، سبيل لبقاء أنظمتها، فشقت لنفسها مسربا في ذات الطريق.

الطريق المقصود يتطلب تحييد الحركة الإسلامية في المنطقة، تحييدا سياسيا، تحييدا اقتصاديا، تحييدا فكريا، تحييدا وجوديا، أي منها أو جميعها، على غرار ما حدث ويحدث في مصر. وقد استوعبت الحركة الإسلامية هذا الأمر منذ مدة، وإذ تتضح النوايا بشكل جلي بعد زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة مؤخرا، وبعد المؤشرات الداخلية في دول المنطقة ضد قيادات الحركة الإسلامية كمؤشرات السجن والإرهاب والتهديد وغيرها، فإن المنطق يحتم البحث عن خيارات أخرى في استراتيجيات الحركة تمكنها من البقاء والمناورة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

إن المدة التي قضاها الأستاذ زكي بني رشيد في السجن، سنة كاملة، جعلته يعيد التفكير في حسابات وجود الحركة وسط الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية

مثالان مهمان متشابهان في المقاربة السياسية حيال التغيرات السياسية الجوهرية غير المفاجئة تجاه الحركات الاسلامية من حيث التخطيط لها، ولكنها مفاجئة من حيث توقيتها ومكان إعلانها وقسوة طرحها، والمثالان هما: الحركة الإسلامية في الأردن ويمثلها في هذه المقاربة الأستاذ زكي بني ارشيد الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي الواجهة السياسية (الحزبية) لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، والمثال الآخر هو الدكتور محمود الزهار القيادي المعروف في حركة المقاومة الإسلامية حماس، عضو المكتب السياسي للحركة.

أولا: الاستاذ زكي بني ارشيد:

أعتقد أن المدة التي قضاها الأستاذ زكي بني رشيد في السجن، سنة كاملة، جعلته يعيد التفكير في حسابات وجود الحركة وسط الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية، وخرج باجتهاد أقدره شخصيا، أستلهمه من مقاله الأخير على موقع الجزيرة بعنوان (قراءة هادئة في المشروع الإيراني)، حيث حاول في المقال طرح مقاربته للوضع، وبعض منها:

1- التقليل، بشكل عميق وكبير، من مبررات العداء بين السنة والشيعة، حيث يقول (إذا كان العداء مع إيران ناتجا عن اختلاف المذهب فهو موضع اختلاف بين علماء الأمة قديماً وحديثاً. وحتى إن كان الاختلاف عقائدياً وسلمنا جدلاً بكفر الشيعة؛ فهل ذلك مبررٌ لعداوتهم وقتالهم؟ وهذا يقودنا إلى السؤال الأعم: ما هو موقف المسلمين من الآخر؟ من الملحدين والكفار؟ هل يجوز قتالهم لأنهم ملحدون كافرون بالله واليوم الآخر؟). 

2- ذكر لقطة تاريخية لأيام الإمام الشهيد حسن البنا ومحاولته بناء أسس للتقارب بين السنة والشيعة، وأن الإمام الشهيد انتقل إلى جوار ربه قبل أن يجدّ السير في هذا الدرب. ولم يذكر الأستاذ بني ارشيد طبيعة الفقه الشيعي في ذلك الزمان التي لم تصاحبها تعقيدات الفقه الشيعي الاجتثاثي اليوم، كما أنه ذكر اسم شخص (الشيخ تقي الدين قمي) وهذا لا يمثل منهج الدولة بل اجتهاد عالم. 

أن لإيران أطماعا ومصالح ونفوذا متصاعدا يملأ الفراغ الناشئ عن غياب المشروع العربي المستقل، وأن جنون إيران وعدوانها المستمر يشجع على تصعيد حالة الشحن الطائفي، وعلى استنزاف الطاقات في الصدام

3- استعان بالصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه لتأكيد أن الفرس ليسوا كلهم شيعة، ولم يقل أحد من السنة خلاف ذلك، وهذا القول موجه إلى الشيعة أنفسهم لا إلى السنة.

4- أكد على أن النظام السياسي في إيران لا يملك قرارا استراتيجيا في أي حال أو ظرف، بل المرجعية الدينية هي التي تتحكم فعليا بمقاليد البلاد، وهذا صحيح وخطير في ذات الوقت، إذ يخفي التقية السياسية والتقية الدينية، وكل واحدة من التقيتين يمكنها أن تستدرك أي خلل في الأخرى.

5- كانت خلاصة المقال تعود به إلى أحضان مقدمته، وإلى سبب الإشكال في علاقات إيران بالجوار السني، حيث قال الأستاذ بني ارشيد (الخلاصة هي أن لإيران أطماعا ومصالح ونفوذا متصاعدا يملأ الفراغ الناشئ عن غياب المشروع العربي المستقل، وأن جنون إيران وعدوانها المستمر يشجع على تصعيد حالة الشحن الطائفي، وعلى استنزاف الطاقات في الصدام والاستعداد له وسباق التسلح، الأمر الذي سيحطّم الدول العربية وإيران معاً ويسرّع تقسيم المنطقة من جديد.).

 

وهذه الخلاصة السليمة مشبعة بحقيقة المخطط الإيراني للابتلاع أكثر مما أرداه الاستاذ بني ارشيد بإيجاد سبب منطقي للتمدد وهو عدم وجود المشروع العربي المستقل، وإن كان الأصوب هو المشروع السني، فالغياب للمشروع لا يمكن أن يكون مبررا للاجتثاث الحاصل اليوم.

ثانيا: الدكتور محمود الزهار:

على موقع صوت دنيا الوطن، وخلال ندوة لمركز فلسطين للدراسات، حول زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للمنطقة، ذهب الزهار إلى ما يراه وما يريده مباشرة، وهو إذ يفعل ذلك لأنه ليس في حاجة إلى تبرير، بل يدع كل من يسمعه يجدد من المبررات المنطقية ما لا يعد، وكلها جديرة بالتقدير، فقد طالب (بإعادة ترتيب العلاقة مع كل دولة تقف مع الفلسطينيين، مشيراً إلى أن المقاومة الفلسطينية هي الشمعة الوحيدة المضيئة في العالم الإسلامي)، وقال إنه (يتوجب علينا أن نقف مع كل دولة تقف معنا وتدعمنا، طالما أن ذلك لا يمس أرضنا وشعبنا وثوابتنا ومقدساتنا، وفي مقدمتها إيران)، وأضاف: (أطالب بإعادة ترتيب العلاقة مع كل دولة تقف معنا، سواء أكانت إيران أم تركيا، أم كوريا أم أي دولة أخرى يمكن أن تقف معنا، لأن القضية ليست تمايز أخلاقي أو تمايز ديني أو وطني؛ بل أصبحت مصالح)، وأكد (أن من مصلحة المقاومة الفلسطينية، وهي الشمعة الوحيدة المضيئة في العالم الإسلامي، أن نحافظ عليها ونقوي شوكتها، لأننا لا نعول على من حولنا).

ويقدم تسبيبا لرأيه بخصوص حركة حماس بالخصوص أراه منطقيا في هذا الظرف الصعب، ظرف مؤامرة الاجتثاث، حينما قال (من الواضح أن هذه الفترة هي من الفترات الأسوأ في تاريخ القضية الفلسطينية والعربية أما باقي الدول فمشغولة بنفسها، حتى تحصن نفسها من الخطر الذي يداهمها).

اللعب على الخيارات المتاحة أمام الحركات الاسلامية المسالمة أو المقاومة، في ظل الحصار المضروب على وجود الحركات المادي والمعنوي اليوم، يشكل انتقالا من الخيار الأصعب إلى الأسوأ صعوبة

وبالنسبة للأخ بني ارشيد، وهو كفاءة سياسية وتنظيمية وتحليلية عالية جدا، فإن منطلقه في تبرير التواصل بين الدول العربية والإسلامية وإيران، وبعدها مع الحركة الإسلامية بالتأكيد، يشكل برغماتية زاهية لو كانت في غير ظرفها وأطرافها، أما هنا فالبراغماتية انتحارية في ظل تعنت الطرف الآخر، والحركة الإسلامية سواء مقاومة أم مسالمة تشكو بالفعل من تعنت الطرف الآخر المرتمي في حضن الفكرة المذهبية كإيران آية الله لا إيران السياسة والرئاسة الديمقراطية التي لم تسجل حرية اتخاذ قرار مؤثر في مجريات الدولة.

اللعب على الخيارات المتاحة أمام الحركات الاسلامية المسالمة أو المقاومة، في ظل الحصار المضروب على وجود الحركات المادي والمعنوي اليوم، يشكل انتقالا من الخيار الأصعب إلى الأسوأ صعوبة، واختيار البراغماتية طريقا وتقديم التسبيب المقنع للشارع وللتاريخ يشكل سر قبولها أو مقصلة إعدامها، وكفتي الميزان بين الأطراف تشهد تباينا كبيرا لا يساعد على الانتقال من المبدئية إلى البراغماتية، في الوقت الحالي على الأقل، إلا في حدود البقاء الشريف على ميدان البقاء والدفاع. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.