شعار قسم مدونات

السينما وعلم النفس.. علاقة لا تنتهي

blogs السينما

لقد قررتُ كتابة هذه التدوينة بعدما أبديتُ رأيي لصديقة نشرت فيلمًا وثائقيًا يناقش قصص الإلحاد، يوجهنّا لله، كان ردّي عليها بأننا مضطرين لأن نبحث بأنفسنا لأن وسائل الإعلام جميعها من سينما، تلفاز بكافة برامجه حتى الأخبار الصحفية منها، الكتب.. كُلّها توجهنا بكبسة زر منها ونحن نتبعها دون أن ندري، بغفلتنا التي تجهل تعاقب الأمور.

لقد قرأت كتاب اسمه " السينما وعلم النفس.. علاقة لا تنتهي" تحدّث فيه الكاتب في فصله الثالث عن الجمهور، الأنماط السلوكية لرواد دور العرض، كيف يفضّل الجمهور فيلمًا معينًا أو نمطًا معينًا من الأفلام، وكيف انتبهت شركات الانتاج لسيكولوجية المشاهدين وعملت لها حسابًا في إنتاج أفلامها.. لم يستطع الكاتب أن يوصل المعلومة بطريقة صحيحة ولا حتى بطريقة ذهبية تجعل عقلنا يتكامل بردود أفعاله مع الكتاب لكنّه ذكر أمثلة على أشخاص ارتكبوا جرائم بمجرّد رؤيتهم لفيلم ما ونستنتج من هُنا أن التأثير السلوكي كبير، بعدها تأملت، تذكرّتُ نفسي، ردود أفعالي عندما أشاهد فيلمًا مصنفًا على أنه " جريمة" أو " درامي" أو حتى " رعب" كنت أتصّور نفسي مكان الممثلين أو بالأحرى مكان الشخصية التي أحببتها أن تبقى!

توصلتُ لقناعة بأنّ الأفلام، مهما كان محتواها، ومهما كان محتوانا الشخصي من قيم وأفكار ومبادئ مُتزن ربما في لحظة من فيلم ما – يتغيّر- ولو للحظات- لكن ما إن لم نعيها ستذهب بنا إلى حيث لا نُريد

في فيلم Lion مثلًا تأثرت بموت أخ سارو جدًا، في فيلم August rush أتعبتني مشاعر فقد الطفل لأهله وبحثه عنهم من خلال الموسيقى، في فيلم sully أنكرتُ بيني وبين نفسي ضرورة محاكمة توم هانكس ووجدته بطلًا قبل أن يعلنوه هم، في فيلم gifted كنت مُحتارة في إجابتي حول العبقرية هل يجب أن تنمى وحدّها أم يجب أن تعيش حياة طبيعية رُغم إيماني الدائم بضرورة الذكاء الاجتماعي مع الذكاء العلمي ولا يكتمل أحدهما دون الآخر.

لنقُل بأن خطورة هذا المحتوى تنتقل إلى أفلام الكارتون وما يشاهده الأطفال حيث أنها لا تخضع لشيءٍ من الرقابة الأمر الذي أدّى إلى ضرورة بحثية تقتضي بإنهاء مهزلة بعضها، حيث يرسل بعضها رسائل غير تربوية والآخر يزيد معدل الغباء، على سبيل التجربة الشخصية كانت أُمي تمنعنا من مشاهدة التلفاز إلا بحضورها، كانت تمنعنا من أن نضع بصرنا على جميع ما نُحب، كانت تُشغّل لنا "افتح يا سمسم أبوابك نحن الاطفال" ، "أبو الحروف" وغيرها من ما هو هادف حتى تُخرجنا من فقاعة سبونج بوب عندما يقول "أنا مستعد، أنا مستعد" فينام هو في قاع البحر ونستعد نحن لنخوض غمار الحياة بقوةٍ دونه.

لا أُنكر أهمية متابعة الأفلام الهادفة والسينما التي يكون لها تأثيرًا ايجابيًا ولو حتى بشعور بسيط علينا لكن من الضروري أن ندرك أنفسنا، أن نجد لنا واقعًا يصنع لنا مجدًا ثابتًا

لقد توصلتُ لقناعة بأنّ الأفلام، مهما كان محتواها، ومهما كان محتوانا الشخصي من قيم وأفكار ومبادئ مُتزن ربما في لحظة من فيلم ما – يتغيّر- ولو للحظات- لكن ما إن لم نعيها ستذهب بنا إلى حيث لا نُريد. صرّتُ أمارس قوة ردود الأفعال، عندما أقرأ كتابًا وأجد علاقة غير منطقية تربط الأشياء ببعضها – أُنكرها-، عندما أشاهد فيلمًا علميًا كان أو وثائقيًا، مهما كانت غايته، صرت أجد له مخرجًا مني، إن السينما التي تعكس سلوكنا ستخرج منّا بطريقة ما حينما نبصرُ الضوء نحن، حينما نرى الخط الفاصل بين الحقيقة المدوية والخطأ الفادح، حينما ندرك بأننا دون أنفسنا وقراراتنا ومبادئنا لا شيء يُذكر.

لا أُنكر أهمية متابعة الأفلام الهادفة والسينما التي يكون لها تأثيرًا ايجابيًا ولو حتى بشعور بسيط علينا لكن من الضروري أن ندرك أنفسنا، أن نجد لنا واقعًا يصنع لنا مجدًا ثابتًا حتى على أرضٍ قاحلة، فلنأخذ منها ما يُكسبنا خبرة لم نكتسبها من قبل ونبعد عنّا منها كل ما يشوش تفكيرنا ويغيّر اتجاه سلوكنا، علينا فعل المضي قدمًا حتى نصل لتلك النتيجة لأن الإحصائيات بالتأثير السلوكي من قبل السينما ووسائل الاعلام المسموعة والمقروءة كبيرة لذا إمّا أن نجد أنفسنا فنقف أمامها وإمّا أن تجدُنا هي فتمرُّ من خلالنا.

وفي النهاية تستحضرني مقولة حسن البنّا: "نحن بحاجة إلى غربلة هذا الغذاء الثقافي الذي يقدّم الى الجيل الجديد في صورة كتب أو روايات أو صحف أو مجلّات".. إن الغربلة هنا تزيدنا تقدمًا بدلًا من تأخرنا، تزيدنا وعيًا بدلًا من تراجع وعينا، تزيدنا ابتكارًا بدلًا من نمطيتنا وروتيننا، إن الغربلة هنا تقتضي أن نبحث لنجد، أن نصل لنؤمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.