شعار قسم مدونات

نتائج السياسة على الإسلام

blogs - قرآن
إن أزمة التقسيمات الطائفية والمذهبية وأزمة تطويع الدين لأغراض السلطة ليست وليدة عصرنا هذا ولا حديثة عهد بسن الصبا، وإنما هي وليدة بعد البداية الفعلية للإسلام مباشرة أو ما يعرف بعصر ما بعد الخلفاء الراشدين، فعندما نعود إلى بدايات عصور الإسلام وهنا نعني عصر النكسة الأولى التي تقاتل فيها المسلمون فيما بينهم، نقول متخلصين من العواطف وبقراءة منهجية تاريخية مجردة، أن القرآن تم تعطيله خفية في تلك البداية، وأوتي بما يعرف بالحديث ثم الفقه ووضع محله ولذلك أسبابه، داخل بنية المجتمع الذي بدأ يتشكل أي أن الانتقال من المجتمع الوثني إلى المجتمع الإسلامي الذي لم ينضج نضجا كافيا لأن كل المرحلة التي نحِنٌ إلى عودتها عندما نحاول تفكيك بنائها الفكري نجدها لا تتجاوز في أحسن الحالات 30 سنة كان فيها السابقون الأولون.
بعد فتح مكة مباشرة أصبحت الأرستقراطيات الوثنية –وأستعير هذا المصطلح من الجابري- هي الغالبة من حيث الكم ومن حيث السيطرة على منافذ الحكم، وتولد عن ذلك تلك المنزلقات الكبيرة التي دخلها المسلمون من حيث التقسيم وبدايات ميلاد الطائفية الإسلامية وبدأت تلك التأسيسات التي ولدت في هذه المرحلة والتي تطبعها السياسة بالدرجة الأولى وخصومات الأرستقراطيات الوثنية مع القلة القليلة التي يطلق عليها السابقون الأولون الشادين على الحق بالنواجذ من المسلمين، أصلت لما نحن فيه الآن، وبالتالي علينا أن نمتلك الشجاعة ونقول بأن المسجد في التاريخ الإسلامي ظل دائما يقوده القصر على عكس التاريخ المسيحي الذي كانت فيه الكنيسة تقود القصور بينما في الإسلام كان المسجد يقاد من طرف القصر دائما.

وكان لهذا نتائج سيئة على هذا الإرث الكبير الموجود عندنا؛ انعكس على الأحكام وعلى العقوبات وعلى المواقف من الطوائف سواء كانت تختلف مع المسلمين في دياناتهم أو الطوائف المهمشة في المجتمع الإسلامي نفسه، وظهرت أحكام طبقية لازلنا نعيد إنتاجها ويصعب علينا محاولة الخروج منها وقلة منا هم من يمتلكون الشجاعة ويستطيعون القول إن سياسة القصر في التاريخ الإسلامي هي من أنتجت تلك النمطية الدينية الظالمة.

الكوارث التي تعيشها الأمة ومن القديم هو التخندقات التي ظهرت وبما أن تيارات أهل الحديث هي التي صارت لها الغلبة وكانت لهم خصومات سياسية مع المعتزلة الذين يمجدون العقل، شنت حملة على العقل والفكر الإسلامي في تلك الفترة، وأصبح دوره محدودا جدا لأسباب سياسية ثقافية.

مثلا نرى والأمثلة كثيرة أمورا يقتل الناس على أساسها، يعتبر البعض أن حرمتها من الدين ويعبد الله بها للأسف، والله منها براء، وماهي إلا نتاج لمصالح سياسية وقتية دخلت في ديننا كتشريع لصبغها صبغة دينية لاستعمار رقاب المتصوفين في الدين بها. ومن زاوية أخرى عندما نقرأ القرآن الكريم نجد هناك حضورا مكثفا لمفهوم العدالة ومفهوم الحرية ومفاهيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكن الجيل الذي بدأت المؤسسة الفقهية والتنظيرية به في مرحلة الدولة، كمثال نأخذ موطأ الإمام مالك من الغلاف إلى الغلاف لا يوجد فيه باب بوجوب إقامة العدل، ومع ذلك فيه باب في إصلاح الرجل شعره، وهنا نتساءل كم آية في القرآن تتحدث عن إقامة العدل؟ لكن سلطة القصر كانت أقوى.
 
وباستقراء منهجي لتاريخنا كله إذا استثنينا منه الخلفاء الأربعة نجد فقط الذين عدلوا بشهادة الجميع وبإجماع تاريخي اثنين هما: عمر ابن عبد العزيز الأموي والمهتدي بأمر الله العباسي فقط، ولم يعمرا حتى خمس سنوات، وهذا ما استدعى منا التساؤل على عدم معالجة مفهوم العدل والكتابة فيه بوصفه مذكورا ومؤكدا عليه في أغلبية القرآن الكريم.

فما هو سبب غياب العدل القرآني وإحلال الفقه السلطاني مكانه والاهتمام بالمشاكل التي تساهل فيها القرآن وعدم الحديث عن المشاكل التي تشدد فيها القرآن، نطرح مثلا آخر(أحكام الوضوء) فأصغر كتاب ندرسه هو الأخضري، نحتاج لأسبوعين لكي ننهي فيه أحكام الوضوء، وعندما نعود إلى القرآن الكريم نجدها آية واحدة، لكن كم آية في القرآن تتحدث عن الظالمين ومصيرهم وعن إقامة العدل والعدالة وحقوق الإنسان، ومع ذلك لا تجد الكتب الكبيرة تبوب لها حتى أصبحت عبر التاريخ منسية. وهذا لا يعني عدم وجود علماء كبار نظروا لكن عند البحث عن آرائهم تجدها مكتوبه تحت عنوان آراء شاذة.

سلطة القصر كانت قوية جدا حتى إعلاميا، ومثال ذلك هناك حركة لا نكاد نفتح كتابا في التراث إلا ويلعنها وهي (الحركة الجهمية) لكن عند البحث والتحقيق المجرد لا توجد حركة يقال لها الجهمية، فالجهم ابن صفوان ثائر سياسي وكل من ترجموا له يقولون إنه كان يدعو إلى الشورى وإلى تحكيم كتاب الله وكل الآراء التي تنسب له منقولة عن مقاتل ابن سليمان مفتى الجيش الأموي الذي قتله، والغريب أنه كيف يصدق في نقل أقوال يبرر قتله السياسي بها. وبهذا أصبحت تصفية الحسابات بعد ذلك إعلاميا تحت هذا العنوان.

الإمام أحمد ابن حنبل لديه كتاب تحت عنوان الرد على الجهمية وعند قراءته تجده يرد على المعتزلة، والبخاري في كتابه خلق أفعال العباد يرد على الجهمية وعندما تقرأ النص المردود عليه تجده للمعتزلة. مرحلة ما بعد المتوكل والانقلاب الثقافي الذي دمر الأمة والذي أنتج مصطلحا آخر جديدا هو أهل السنة والجماعة والمخالف زنديق يقتل إلى يوم الناس هذا.. إذا وجدنا التقاتل بين الطوائف الإسلامية يجب أن نبحث عن العبث السياسي الذي أنتج هذا النمط الجديد. 

العقل غائب في الفكر ونحن الآن نعيش لحظة الانتحار ولا يلوح في الأفق أن هناك تيارا عقلانيا بدأ يتبلور وحتى إن وجد لن يسمع صوته.. المشكلة التي نعاني منها في عصرنا هذا هي العدالة في جميع تفريعاتها والحرية.

الكوارث التي تعيشها الأمة ومن القديم هو التخندقات التي ظهرت وبما أن تيارات أهل الحديث هي التي صارت لها الغلبة وكانت لهم خصومات سياسية مع المعتزلة الذين يمجدون العقل، شنت حملة على العقل والفكر الإسلامي في تلك الفترة، وأصبح دوره محدودا جدا لأسباب سياسية ثقافية وبالتالي شل العقل عندنا ولا ندخله إلا نادرا، بل رفع في فترة من الفترات تحت شعار (من تمنطق تزندق). فالأمة اليوم في وهن لا مثيل له ولا يمكن أن يوصف وأسوأ ما فيه أن بعضها يقتل بعضا قياسا على أمور حدثت منذ 13 قرنا وهي سياسية بحتة ولا علاقة لها بالدين.

العقل غائب في الفكر ونحن الآن نعيش لحظة الانتحار ولا يلوح في الأفق أن هناك تيارا عقلانيا بدأ يتبلور وحتى إن وجد لن يسمع صوته.. المشكلة التي نعاني منها في عصرنا هذا هي العدالة في جميع تفريعاتها والحرية، وللأسف فإن علماءنا استقالوا من وظائفهم وعطلوا العقل وألغوه وأصبحوا يعيشون على التراث بكل تفصيلاته، فالعالم يتغير وهم يعيشون في تلك القرون.

إذا كيف يمكن أن تحدث نهضة ونحن لا نزال نناقش أفكار المياه التي تستعمل في الوضوء والطهارة ونحن نمتلك مضخات (المشكلة لم تعد مطروحة) علماء القرن الثاني والثالث الهجري وحتى قبل عصور الانحطاط اجتهدوا حسبما يفرضه واقعهم وعصرهم وظروفهم، لماذا علماؤنا عاجزون عن الاجتهاد في مسائل عصرنا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.