شعار قسم مدونات

لماذا يجب أن يخاف العَرَبي من المستقبل؟

blogs - شاب يقرأ
رُبَّما يَعِيش العَرَبي الآن أسوأ مراحل حياته، والسبب لَيْسَ الانحدار فِي مستوى المعيشة، وتهاوي أحلام الوحدة، والكرامة، والتحرير، والديمقراطية، والعدالة، وغيرها من الأحلام المشروعة لأي أمة فقط، بَلْ لأنه لا أحد يعرف مَاذا يجري، وَماذا سيحصل؟ وَمَا هِيَ حجم التغيرات الحاصلة فِي العَالَم مَع كل إشراقة شمس جَدِيدَة. هُناكَ عِدَّة أسباب تدعو العَرَبي إلَى الخَوْف كثيرًا، وإذا كُنْت ترِيدُ أن تتحدث بموضوعية فإنَّ العَالَم كله يَعِيش حَالة من الرعب، فِي ظل مخاضات غَرِيبَة عجيبة لا أحد يعرف طبيعية مَا ستفضي إليه فِي النِّهايَة، هَذَا إذا كَانَتْ لَهَا نهاية. 

مُنْذُ عقود أطَّر العَرَبي قضيته الأولى فِي غياب الوحدة العَرَبِيَّة، وَكانَ هُناكَ تفكير أحادي مزروع فِي عقول النَّاس أن الوحدة ستحل مُشْكِلات الوطن العَرَبي كاملًا، وسيبقى هَذَا حلمًا مَشْرُوعًا، لَكِن الَّذِي غَابَ عَنْ عقولنا جميعًا أن هُناكَ إشكاليات كَثِيرَة تبقى مَوْجودَة وتقف عائقًا أمَام التطور وأولها طَرِيقَة التفكير، وآليات التربية والتنشئة الَّتِي تؤدي إلَى تحديد الطَريقَة الَّتِي يَعِيش فِيهَا النَّاس.

عَلى مَرَّ التاريخ هُناكَ شعوب تطمع فِي شعوب أخرى، ولديها أجندة تدعوها لمنعها من التطور، وإذا كانَ العَالَم كله لا يُرِيد للعربي أن يتطور، فإنَّ هَذَا العَالَم نفسه كانَ يخاف من الألماني والياباني ويعاديهما.

للآن لَمْ نستطع فِي الوطن العَرَبي بناء تفكير علمي ناقد لَدَى الأجيال، وَرُبَّما كَانَتْ طرق التدريس التلقينية الكارثية فِي المدارس والجامعات أحد أسباب ذَلِكَ، وَمَع دخولنا الألفية الْجَديدَة لَمْ تَسْتَطِعْ الدول العَرَبِيَّة قاطبة إدخال هاجس البَحْث العلمي الحقيقي المنتج فِي عقول أبنائها، وقادة الرأي فِيهَا، وَلَمْ تتمكن الجامعات العَرَبِيَّة من تطوير نفسها لتصبح أداة بحثية مساندة للتطور، بَلْ تكبلت هَذِهِ الجامعات بعيوب المجتمع، فتحولت فِي غالب الأحيان وَفِي بَعْض الدول إلَى أماكن توظيف عمالة غير منتجة، وَمَكَان توزيع "كعكة الترضيات" لكسب الولاء، وبدلًا من أن تكون رافعة للمجتمع، أصبحت عكس ذَلِكَ.

مَا زالت الديمقراطية غائبة عَنْ الوطن العَرَبي، والتطبيقات الجزئية الَّتِي نجحت فِي بَعْض الأماكن لَمْ تؤتِ أكلها، والإصلاحات الَّتِي حصلت هُنا وَهُناكَ تَمَّ التراجع عَنْها فِي غالب الأحوال، وإذا مَا استثنينا تونس، ولبنان، وَبِشَكْل أقل المغرب، وَهَذِهِ حالات لِكُل مِنْهُمَا مَجْمُوعَة من العوامل المؤثرة فِيهَا خاصة لبنان، فإنَّ مَا أطلق عَلَيْهِ مصطلح "الربيع العَرَبي" استثمر بِطَرِيقَة سَلْبِيَّة من قبل قوى الشد العكسي بحيث تَمَّ إقناع النَّاس بأن أي مُحَاوَلَة للتغيير ستعطي نتائج كارثية، بحيث أصبحت خيارات المواطن العَرَبي (ثنائية قاتلة) بَيْنَ ديكتاتورية قاسية أحادية الجانب، وَبَيْنَ مُحَاوَلَة الدمقرطة والإصلاح الَّتِي لا تؤدي إلا إلَى الدمار والحرب الأهلية، وَلَنْ تتغير هَذِهِ الصُّورَة إلا مَع قدوم موجة جديدة مَا يُمْكِنُ أن يُطْلق عَلَيْهِ "الربيع العَرَبي الثَانِي" الَّذِي لا يعرف أحد مَتَى سَيَكُونُ، وَمَا هِيَ نتائجه، وَهَلْ سَتَكُون مُخْتَلِفَة عَنْ الموجة الأولى.

ولا يُمْكِنُ بحال من الأحوال عزو الديكتاتورية إلَى الحكومات العَرَبِيَّة والحكام فَقَط، بَلْ إن العقل العَرَبي الفردي أكثر ديكتاتورية من حكوماته، فَهْوَ عقل مُنشأ ليفكر بِطَرِيقَة واحدة، وليردد دَائمًا أن الحق واحد، وأنني محور الكون، وكل مَا هُوَ موافق لِي مَعي، وكل من يعارضني فَهْوَ عدوي، وَهَذَا كارثة بحد ذاتها أن يَكون صاحب المطالبة بالتغيير لا يَسْتَطِيع تغيير نفسه أولًا، وأن يَكون الدواء داء.

إذا كَانَتْ مُشْكِلة معظم الشعوب الأخرى فِي عدو خَارِجِي يتربصها فإنَّ مُشْكِلة العَرَبي الأولى هي أعداؤه الداخليين، والأسوأ من ذَلِكَ.. أن العَرَبي نفسه هُوَ العدو رقم واحد لِنَفسِهِ.

لَنْ أتحدث هُنا عَنْ المؤامرات الخارجية، فلست من أنصار نظرية المؤامرة، ودَائمًا وَعَلى مَرَّ التاريخ هُناكَ دول وشعوب تطمع فِي شعوب أخرى، ولديها أجندة تدعوها إلَى منعها من التطور، وإذا كانَ العَالَم كله لا يُرِيد للعربي أن يتطور، فإنَّ هَذَا العَالَم نفسه كانَ يخاف من الألماني والياباني ويعاديهما، وَمَع ذَلِكَ نهض الألماني، وَكَذَلِكَ الياباني وأعطيا أزهي صُورَة للتطور، والبناء بعد الخراب، وَلَمْ تَسْتَطِعْ أجندة العَالَم أن توقف تطورهما، وَكَذَلِكَ الحال مَع الصين الَّتِي غزت العَالَم فِي صناعاتها وإنتاجها رغم أنها تتبنى فكرًا مُختلفًا عَنْ العَالَم الغربي نظريًا عَلى الأقل، وَهَذَا يعني أن أسباب الخراب دَاخِلِيَّة، وَلَهَا عَلاقَة بعوامل ذاتية أكثر مِنْها خارجية.

يحق للعربي أن يخاف كثيرًا عَلى المستقبل، فإذا كَانَتْ مُشْكِلة معظم الشعوب الأخرى فِي عدو خَارِجِي يتربصها فإنَّ مُشْكِلة العَرَبي الأولى هي أعداؤه الداخليين، والأسوأ من ذَلِكَ.. أن العَرَبي نفسه هُوَ العدو رقم واحد لِنَفسِهِ فِي غالب الأحيان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.