شعار قسم مدونات

ما معنى أن تحبيه كذابا؟

blogs الحب

لم تخلق التجارب عبثًا، خلقت لتكون خلفياتنا، وأفكارنا، وتنور بصيرتنا، فننضج من هذه التجربة، وتصقل مهارتنا من تلك، وربما من التجربة تخرج عاطفتك متزنة ومتساوية غير سابق عهدك، فنحن الفتيات عاطفتنا طاغية فتحجب الرؤية عن أبصارنا ويغشى العقل العمى على إثرها -إن كانت زائدة عن حدها- وكذا رقة المشاعر، فتسمو النفس شيئًا فشيئًا وتنضبط على غير سابقها.

أن تُحبيهِ كذابًا يعني أنكِ؛ تلُفين في حلقةٍ مُفرغة، فيزين لكِ الأمور قاطبةً، فترين الدنيا كأنها ازّخرفت وازينت لتقبلين عليها بقلبٍ لاه غير آبه إلا بأنه يبتغي تحقيق مرامه وفقط. فترينهُ يتحدث بأمورٍ لا تناسبه مطلقًا ويتمادى وهو في نفسه يشعر وَيْ كأنه يُحدِثُ إنسانًا لم يخلق الله لهُ عقلًا يفكر به، يميّز بين الصدقِ والكذب كبقية البشر وهذا ما جُبلنا عليه بطبيعتنا البشرية، غير أنكِ تمانعين وتنتظرين شخصًا جديدًا أمورهِ متزنة يتعامل بسليقتهِ بدلًا من التصنع والتفنن في فعلِ ما لا يدرك لكن هيهات "فالطبع غلَّاب". 

أن تُحبيهِ كذابًا فتلك مصيبة، وما أشدها إن كنتِ تعلمين منذ بادي الأمر، ولم تبترين الحُبّ الذي كان في مهدهِ وربما في حالة المخاض فيدفن في أسبوعهِ الأول كما تدفن الأم وليدها، ولم يكبر ويترعرع في حواشيكِ كما سيكون في حالتكِ حينها، فلو نظرت بعين البصيرةِ لرأيت بأم عينك أنك تلقين بنفسك في جحيم لا آخر له، فتهوي نفسك فيه وتصعق من أوجاعها كالحية يتغشاها الألم.

نعود إلى أنفسنا بعد الخيبة الأولى فيودّع بعضنا البعض وتفترق النفوس كما كانت ويعود كل قلبٍ لكوخه الصغير كما كان، بعد عملية جراحية تستغرق ما تستغرق لتشفي الألم وتلتئم الجروح

نجني على أنفسنا بالتعب والشقاء حينما نسلّيها بأوهامٍ من أعدادٍ لا متناهية، وسراب في كينونتنا نعلمه! غير أننا نسيرُ على غير هدى فنتخبط في دهليزه فيتلقفنا اليأس تارة والبؤس تارة أخرى، وما نحن بين هذا وذاك نذبح بسكينٍ حام بإشراف القلب وعاطفته والعقل ورزانته ومنّا من يُصرع في طريقه فيخر ساقطًا ولم يبلغ الوصول وحتى من أتم المسير لن يصل ففي نهاية المطاف هو في حقيقته سراب لا جدوى من غاية إدراكه. 

تجنح النفس للراحة أحيانًا عند من على غير جنسها فالمرأة للرجل وعلى العكس يكون الرجل وهذا ليس نقصًا وإنما حقيقة إنسانية غرسها الله فينا لنتم نقصنا أو بهذا تكتمل الصورة أصلًا، فتجتمع القلوب على شيء يوثق رباطة جأشها، والأعمّ والأشمل الركون لله -عز وجل- فما من مغتمًا أو محزونًا ولجأ إلى الله إلا وروّح عنه فالله أرحم بنا من الأحباب والأصدقاء أجمع. 

خبز الكذاب يملأ القلب أحلامًا لا حصر لها -وردية كما نقول- وفي الفم يضع الحصى، وأسوأ ما يكون في الحُبِّ أن يكون مبتذلًا وعلى قواعد هشة إن كانت له قواعد من الأساس، فيكون المنالُ وعر والأحلام على قائمة الانتظار وطريقها أجدب قاحل لا ماء فيه ولا ثمر ينتظر ولا شيء يتبلَّغ به المتبلِّغ أو يتعلل به الظامئ لاجتماع يلتقي فيه الأحبة لقاء أبديًا -كالزواج مثلا- فمن لا خير فيه لماضيه، فلا خير فيه لحاضره ومستقبله ولنا في سير الكذابين عبرة لمن يتعظ ويعي. 

نعود إلى أنفسنا بعد الخيبة الأولى فيودّع بعضنا البعض وتفترق النفوس كما كانت ويعود كل قلبٍ لكوخه الصغير كما كان، بعد عملية جراحية تستغرق ما تستغرق لتشفي الألم وتلتئم الجروح، وتموج الرأس على الجسد من غليان الأفكار وبلوغها مبلغ العليل من الحُمَّى في آخر أيامه. 

لا يحب إلا من كان صادقًا، تجمعت فيه معنى الرجولة الكاملة، ليس بالمراهق الأحمق، الذي يطوف على كل من رأها تبتسم له خلسة، ولا من قدها الممشوق تتغزل في سيرها فتغويه ويهمّ أن يصلها بأي صورة من صور العرضِ والطلب

وكم من عروس للحبِّ زُفت إلى غير الحبيب، فتظن أن عهدها بالحياة قد قطع، فتلوم النفس والأهل على ما آلت إليها روحها، ولكنها هنيهة.. هنيهة تألف الأمر وتترشرش عليها السعادة كما لو أنها تعانقت بالمحبوب، يحدث كل هذا إن كان الرجل ليس حقًّا من الحقوق، والمرأة ليست واجبًّا من الواجبات، فهذه أمور إن وجدت لخلت الروح من المعنى الروحي ألا وهو الحُبّ. 

فلا يحب إلا من كان صادقًا، تجمعت فيه معنى الرجولة الكاملة، ليس بالمراهق الأحمق، الذي يطوف على كل من رأها تبتسم له خلسة، ولا من قدها الممشوق تتغزل في سيرها فتغويه ويهمّ أن يصلها بأي صورة من صور العرضِ والطلب، ثم يملّ منها ويبحث عن غيرها، كالكعاب يسيل عليها اللعاب، فقلب المرأة كثير العبث فتحسب حركاتها وخلجاتها على أنّها من الحُبِّ ولكنه شيء من عبثِ القلب!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.