وحتى إن المغرب بزعامة ناقض البيعة المشروطة خان المغرب والمغاربة 30 مارس 1912 بارتمائه في أحضان فرنسا وتوقيعه لمعاهدة الحماية، تقديما منه صلاحية غير منتهية للفرنسيين مع حماية الأخيرة نظام المغرب من ثورة فاس. 1911، كان سببا غير مباشرا في ظهور هذا الرمز التاريخي الذي كان غايته الحرية والكرامة.
الوطنية ليس بحمل صور ملك البلاد، ولا حتى بحمل العلم المغربي الذي أصبح يمثل للمغاربة السلطة والاستبداد، فالولاء للأشخاص وتقبيل الأعلام وتعنيقها، لا تعكس مدى حب المرء بوطنه، الذي يحفظ الريفيون له مكانا في قلوبهم. |
ونعود للريف ولقضية العلم الريفي الذي ظهوره كان مع الأمير مولاي موحند رضي الله عنه وأرضاه، لجمع شتات الريفيين عليه وإنشاء جمهورية ريفية توحد مختلف القبائل الريفية وتوجه المقاومة ومحاربة العدو الإسباني وهذا ما نتج عنه انتصارات باهرة للريفيين بقيادة أميرهم وقائدهم العسكري ومنظم سياستهم العامة سواء اجتماعيا وثقافيا…الخ.
ولم يفلح المستعمر الإسباني من إخضاع الريفيين ونسف المقاومة الريفية التي توحدت حول الراية الريفية مضحية بالغالي والنفيس لنصرة للقضية رافضة للعبودية والخضوع إلا بعد أن تم التحالف مع الفرنسيين واستخدام الإسبان للغازات السامة التي ما زال الريفيون يعانون من مخلفاتها دون أي تدخل للدولة المغربية لجبر الضرر عبر إنشاء مستشفيات محلية مجهزة بأحدث التقنيات لاستشفاء مرضى السرطان ومطالبة مملكة إسبانيا، باعتذار رسمي للريفيين التي تعتبر جزءا من مطالب الحراك. بل نجد الدولة حكومة وإعلاما تقف ضد أبناء المغرب الكبير وتصف كل خرجاتهم بالشوفينية والانفصالية، لا لشيء إلا لوجود رايات ريفية التي لها تاريخها القويم الذي سطرته دماء أجدادنا لغاية التحرر والكرامة التي أصبح العلم الريفي رمزا لها وليست وليدة اللحظة ولم تنزل من السماء.
فبمجرد أن تنظر العين الريفية للعلم الريفي بلونه الأحمر وهلاله ونجمته السداسية إلا واسترجعنا وتذكرنا تاريخ أجدادنا الميامين وتوقفنا على تضحياتهم الجسيمة من أجل أن يحيا الريف نحيا نحن معه، فكيف لنا أن نتجاهل راية التحرر التي بدل أن يخون حاملها، وأن تكون رمزا سلبيا يجب على المؤسسات المغربية أن تتعرف بها وأن تدرك أن العلم هو رمز تاريخي لا يمكن نسفه ولا يمكن أن نقتل التاريخ ونقبره، فلا يمكن أن نقول إن الريف لم يعرف تأسيس جمهورية الريف 1921-1926 فهذا جزء من التاريخ الذي لا يمكن إطلاقا تجاوزه دون الوقوف على المرحلة، وتتخذها في نفس الوقت جزءا من تاريخه المعاصر الرسمي، وأن ترفق في الكتب التاريخية إلى جانب النصوص التي تتحدث عن تاريخ المنطقة وعن بطولات رجالها، وتضحيات نسائها لا لشيء إلا للتحرر ورفض العبودية والرضوخ.
التاريخ قبل أن يكون شموليا يجب أن ننطلق من جزئياته، وحتى تطور الكتابة التاريخية الحديثة دعت للتاريخ الجهوي المحلي الذي به سنبني أجيالا واعية بذاتها وكيانها، منطلقة من الخاص للعام. |
فالوطنية ليس بحمل صور ملك البلاد، ولا حتى بحمل العلم المغربي الذي أصبح يمثل للمغاربة السلطة والاستبداد، فالولاء للأشخاص وتقبيل الأعلام وتعنيقها، لا تعكس مدى حب المرء بوطنه، الذي يحفظ الريفيون له مكانا في قلوبهم ومستعدون للتضحية بأرواحهم لنصرته، والدفاع عنه. فالمغرب ليس مغرب علم ولا مغرب أشخاص بل المغرب مغرب التاريخ والأرض، مغرب أجدادنا السابقين يوغرطة ويوبا وبوكوس… أرض أمازيغ النكور…إلخ.
هاذه الأرض المباركة التي قدمت تضحيات جسام لنحيا الآن ونعيش ونحافظ فيها على ماهيتنا الثقافية واللغوية، أما إن كانت الوطنية هي الولاء للأشخاص وحمل علم وتفضيله على آخر فقد تركنا ذلك للساسة المغاربة فقد فعلوا أكثر من ذلك، وغيرهم كثر ليرفعوا الرايات ويتبجحوا بها مستفيدين من خيرات هذا الوطن بينما نحن البسطاء تركت لنا الأعلام والصور لحملها وتحديد درجات وطنيتنا.
وخلاصة.. التاريخ قبل أن يكون شموليا يجب أن ننطلق من جزئياته، وحتى تطور الكتابة التاريخية الحديثة دعت للتاريخ الجهوي المحلي الذي به سنبني أجيالا واعية بذاتها وكيانها، منطلقة من الخاص للعام. أي يعني الانطلاق من ريفيتنا ومن تاريخنا المحلي وإدراكه، لنصل لاحقا لتاريخ شامل، أي الحب الحقيقي ينطلق من البيت الصغير ومن الأم والأب والزوجة والزوجة والأبناء لينتقل إلى بقية أفراد العائلة ليشمل المحيط الأسري كله، هاته هي النظرة المجازية لتاريخ الريف ولرايته الحبيبة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.