والبهتان لغة من بَهَتَ الرجلَ أي قال عليه ما لم يفعله كما عند ابن منظور في لسان العرب، وٱصطلاحا قال القرطبي البهتان هو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء، تَأمّل معي قوله "أخاك" و"ذنب هو منه بريء" فيا عجبا كيف يدَّعي الأُخوّة من يرمي الناس بما هم منه براء وأسفا على أمة بلغت من الانقسام والتدابر ما بلغت حتى صار النفاق الاجتماعي دينها ودَيْدَنها. والبهتان بوصفه شكل من أشكال النفاق الاجتماعي له أسباب و دوافع يمكن تلخيص أهمِّها فيما أمرين:
إني امرءٌ لا شائِنٌ نَسَبي بعَيْب يُدنِّسه من مِنْقَرِ بِبيت مَكْرُمَة والغُصْنُ يَنْبُت حوله الغُصُنُ، فُصَحاء حين يقول قائلهم بِيضُ الوجوه أَعِفّة لُسُنُ، لا يَفْطنون لِعَيْب جارهم وهم بِحِفْظ جِواره فُطُنُ. |
1- ضُعف النقد الذاتي:
بحيث أن الباهِتَ يكون إما حاقدا على من يقْذِفُ بسبب خلاف و خصومة بينهما أو يكونَ شخصا ناقلا للخبر متعاطفا مع المدعي الباهت، وفي كِلَا الحالين فالباهت والناقل يَعْلمان أن الخبر مكذوب وأن المدّعى عليه بريء، غير أن الإنسان كما يُعَرّفه علماء الاجتماع نَرْجسيّ بطبعه يأْكُل حُبّ الذات قلبه فيُعْميه عن رؤية عيوبه وعن اتهام نفسه فهو يعامل أخطاءه بالتبرير ويعامل زلّات غيره بالتّتبّع والاحصاء. ومن هذا المنطلق نرى الناس لا يتورّعون عن بَهْت غيرهم والطعن فيهم بما فعلوا وما لم يفعلوا مقابل الذّب عن صورهم الشخصية وتلميعها.
2- التّخلف الأخلاقي:
وهي ظاهرة نجدها متفشّية في المجتمعات النامية التي تسودها البطالة المعنوية والفراغ الفكري بحيث أنك تجد الناس متلهّفين لِهَتْك أعراض غيرهم بمجرد سماع أخبار عنهم قد يكون لا أساس لها من الصّحة وذلك فقط لإشباع فضولهم ومَلْء فراغاتهم الفكرية والعاطفية في حين تجد الناس في أوربا وكندا لا يكادون يجدون الوقت الكافي للتزاور والسؤال عن بعضهم البعض فضلا عن التدابر واتباع العورات، وذلك راجع إلى تركيز الناس في هذه الدول على مشاغلهم وكذا إلى احترام خصوصيات غيرهم.
وبعد فإني أُحبّ أن أختم مقالي بكلمة قالها أَحْلَمُ العرب في الجاهلية عَلّنا نستبدل بها جاهلِيَّتنا الحديثة فالاولى والله أرحم، هو قيس بن عاصم المِنْقَري وكانوا قد أخبروه أن ابن أخاه قتل ابنه في سباق خيول، فما كان من عاصم إلا أن أعرض عنهم وأنشد يقول: إني امرءٌ لا شائِنٌ نَسَبي بعَيْب يُدنِّسه من مِنْقَرِ بِبيت مَكْرُمَة والغُصْنُ يَنْبُت حوله الغُصُنُ، فُصَحاء حين يقول قائلهم بِيضُ الوجوه أَعِفّة لُسُنُ، لا يَفْطنون لِعَيْب جارهم وهم بِحِفْظ جِواره فُطُنُ.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.