شعار قسم مدونات

أخطأ ماركس وأصاب حمزة

blogs - karl
أخطأ ماركس وأصاب حمزة، لا شك أنها تذكركم بقول عمر بن الخطاب حينما قال: "أخطأ عمر وأصابت امرأة" إنها بلا شك قاعدة الجهابذة والمتنورين، الذين يقبلون أخطأهم ويبنون نظمهم على التسامح والحوار والسلم. إن قصة عمر بن الخطاب مع هذه المرأة، لا تجسد حدثا تاريخيا وحسب، لكنها أيضا تشكل قاعدة آنية وحية، لما لها من دلالات عظيمة في بناء المجتمع وترسيخ الحوار وتقبل الرأي الآخر والقبول بالخطأ مهما كان، وعدم الانزواء والتشدد والدوغمائية. هكذا انطلقت لأقول: أخطأ ماركس وأصاب حمزة، ففي ماذا أصبت وفي ماذا أخطأ ماركس؟

أكيد أن الخطأ كان فشل المنهج المادي الجدلي، الذي بنا رؤيته التاريخية على أساس دوغمائي أحادي برغماتي، فلم يستطيع أن يستفيد من المناهج والعلوم المساعدة وثقافات الشعوب وتم تنميط تحاليله لدرجة أصبحت جد مملة، وأبرز أسباب هذا الفشل، يعود إلى ضعف التحليل المادي الاقتصادي، إذا استثنينا منه الجدل.

لا يسع سوى أن نذهب مذهب الجاحظ الذي وضع طريقا لقراءة المناهج والحركة التاريخية: فلا تذهب إلى ما تريك العين واذهب إلى ما يرك العقل.

يتجلى ضعف التحليل المادي الاقتصادي أنه لم يستطيع أن يقدم لنا إجابات حقيقية لأزمات كثيرة ولم يستطيع حلّ معظم القضايا العربية والدولية الراهنة، لأنه همش العاطفة البشرية ودورها المرعب في تحريك عجلة التاريخ، وإن في قول جوستاف لوبون، حجة للدور الذي تلعبه العاطفة في حركة التاريخ: "إن المحاجات العقلانية تفشل عندما تقع في صدام مع المشاعر والعواطف، لذلك تستمر الخرافات لقرون رغم تناقضها مع أبسط حدود المنطق"، وهو اعتراف صريح للعامل السيكولوجي في تحريك التاريخ.

وبالتالي فإن جدلية البنى الفوقية و البنى التحتية، لا يمكن أن تنطلق من :"التحت" إلى "الفوق" دائما والعكس صحيح، إنهما يتحركان بشكل متوازي. فعلاقة التوازي هي علاقة جدلية مع المجالات التي تتعامد معها، وبه نكون قد فتحنا بابا علي باب ووجدنا الحلقة المفقودة في المنهج المادي الجدلي والتي أسهب جوستاف لوبون في الحديث عنها في سيكولوجية الجماهير.

وأغني ماكس فيفير الخزانة العالمية عندما كتب روح الأخلاق البروتستانتية من أجل البحث عن عوامل أخرى تحرك التاريخ، بعيدا عن الفهم المادي الجدلي وحده، فلا ماكس فيفير ولا جوستاف لوبون انتبهوا إلى أنهم يؤسسون لمنهج جديد في الدراسة التاريخية وهو المنهج السيكولوجي؛ وهو منهج يقوم على تحليل العاطفة لدى الجماهير والتي يقول عنها جوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير ص.43:

"الأحداث الضخمة المأثورة التي تتناقلها كتب التاريخ، فهي ليست إلا الآثار المرئية للمتغيرات اللامرئية التي تصيب عواطف البشر. وإذا كانت لا تظهر إلى السطح إلا نادرا، فذلك لأن المخزون الوراثي لعواطف عرق بشري ما، هو عنصره الأكثر ثباتا". تؤكد هذه القراءة أحداثا تاريخية كثيرة، خالفت منهج ماركس كالنازية واستطعت أن تغير التاريخ، فحركت الاقتصاد الألماني.

الأحداث الضخمة المأثورة التي تتناقلها كتب التاريخ، فهي ليست إلا الآثار المرئية للمتغيرات اللامرئية التي تصيب عواطف البشر. وإن كانت لا تظهر إلى السطح إلا نادرا.

دون أن نسجن أنفسنا سنعود لتراث مجتمعاتنا الإسلامية العربية، سنستحضر مفهوم "الجهاد" إبان الفترة الاستعمارية ومن المسؤول الحقيقي وراء وجوده . هل هو رغبة في الحصول على لقمة الخبز أم درءا للأخطار وتعزيزا لما يسميه هيغل بتيموس؟؟ حسب ما ورد عند فرنسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ وخاتم البشر.

وختاما لا يسع سوى أن نذهب مذهب الجاحظ الذي وضع طريقا لقراءة المناهج والحركة التاريخية: فلا تذهب إلى ما تريك العين واذهب إلى ما يرك العقل. والأمور حكمان، حكم ظاهر للحواس وحكم باطن للعقول والعقل هو الحجة ".فعقولنا هي مرآتنا للتاريخ وحركته بإعماله نستطيع الإحساس بجدلية التاريخ.

أما ما تراه العين فإنه لا يعدو سوى صورة مزيفة لواقع مشوه. فمنبع العاطفة هو الذي يزود أعضاء الجسم بالدم والتاريخ بالوقود، أما القلب كجهاز فحركته ثابتة. وبهذا أقول: أخطأ ماركس وأصاب حمزة، بعيدا عما سيجلبه هذا العنوان من سخط، كما أن اعتراف عمر أدهش علية القوم، ولو كان ماركس حيا  لقال نفس قول عمر وانبهر له الدغمائيون من أصحاب العنف الثوري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.